من خلال العنوان أعلاه قد يذهب بعض القراء الكرام إلى تخيل العاصمة صنعاء مدينة غارقة في بحر تتلاطم فيه أمواج الصراعات والعنف والمواجهات بين مراكز النفوذ الذين قذفت بهم أمواج البحر من كل صوب وحدب، والحقيقة أن واقع العاصمة صنعاء حالياً ليس ببعيد عن هذا الوضع.
ولكي تكتمل الصورة الخيالية توقعوا أن الحيتان المتوحشة صارت على مشارف صنعاء.
ومن سيراوده هذا النوع من التخيل فلا يعتقد في نفسه أنه مبالغاً، بل هو إلى الواقع أقرب منه إلى الخيال.
وفيما يجدر بنا هنا أن نوضحه لقرائنا الكرام.. أن ظاهر اللفظ الذي نطلقه هنا على "الحيتان" نقصد به الحوثيون الذين يخوضون معارك ضارية في الجوف وأرحب وحاشد وهمدان, وهذه المناطق التي تدور عليها رحى المواجهات معظمها تقع على مشارف صنعاء .
لكننا عندما نطلق مسمى
وإن كانوا يحملون السلاح ويثيرون المعارك المتنقلة من منطقة إلى أخرى شمال وشرق صنعاء إلا أنهم أولاً وأخيراً ضحايا، وهم وقود الحرب وفتيل إشعالها.
الحيتان على الحركة الحوثية فإننا لانقصد المقاتلين المخدرين بأفيون الخطاب المذهبي ومعظمهم من الصبية والشباب الذين تقل أعمارهم عن 25عاماً.
فهؤلاء بالنسبة لنا هم ضحايا معذورون.
ومما يجدر بنا الإشارة إليه بهذا الخصوص هو أن مثل هؤلاء الضحايا الذين يقتلون وهم في مقدمة صفوف الحركة الحوثية ليسوا في ذمة الحوثيين وحدهم ولكن هناك تواطئ على قتلهم من قبل حكومة الوفاق ويقتلون بمباركة إقليمية ودولية الذين يغضون الطرف عن مثل هذه الجرائم ولا يحاكمون مرتكبيها.
أما فيما يخص مصطلح "الحيتان" فهو يطلق على الخبثاء الذين يقفون خلف هذه الحروب المتنقلة ويديرونها بالريموت كنترول من مخادعهم اللعينة دافعين بالعشرات والمئات من الأبرياء إلى ساحة المعركة ثم لا يكلفون أنفسهم حتى مجرد دفن الضحايا بأساليب كريمة إلا من كان منهم وينتمي إلى السلالة العلوية وهم قلة في أرض المعركة.
ولكن كيف أطلق اسم "الحيتان" على الحوثيين على اعتبار أن هذا الاسم لم يبتكره كاتب هذه السطور وإنما اكتسبته الحركة الحوثية على مراحل.
ولمعرفة ذلك يجدر بنا أن نتتبع مسار حركة الحوثيين بقضها العسكري وقضيضها المذهبي انطلاقاً من مدينة صعدة حتى وصلت إلى مشارف صنعاء، وسيتبين لنا كيف اكتسبت هذه التسمية.
فعندما بدا طلائع مقاتلي الحركة الحوثية يهاجمون طلاب الحركة السلفية العزل من السلاح في منطقة دماج في محافظة صعدة صرخ نذير السلفيين قائلاً( الحوثيون قادمون) وضل الصغار والكبار في دماج يرددون اسم الحوثيون ألف مرة في اليوم ،بما في ذلك أدعيتهم عليهم في الصلاة.
وبعد قرابة شهرين انتهت المعركة في دماج معلنة انهزام السلفين وليت الأمر انتهى عند حدثي النصر والهزيمة لطرفي المعركة بل إن المشهد تعداه إلى حد سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحروب في الجزيرة العربية بأكملها والمتمثلة بإقدام الحوثيون على تهجير قرابة خمسة عشر ألف من السلفيين، تم إخراجهم من ديارهم وأبنائهم ومزارعهم ومراتع طفولتهم وتم تهجيرهم بموافقة حكومية ومباركة إقليمية ورعاية دولية -للأسف الشديد-.
من ناحية تشبيهية نجد أن ما حدث في دماج -صعدة- لا يختلف تماماً عما يحدث في أعماق البحار والمحيطات حيث لا قانون يسود سوى قانون القوة الغريزية والبطش الحيواني المتوحش،حيث يقوم الحيتان الكبار بابتلاع الكائنات الصغيرة المسالمة ثم تقوم الكائنات الأصغر حجماً بالهجرة تحت دافع الاضطرار من همجية القوة.
ومن معركة دماج بدا رواد الحركة الحوثية يتصفون بطبائع الحيتان الجبلية.
ومن معركة دماج واصل الحوثيون تحركهم العسكري بمدافعهم وطبول حربهم وجثث قتلاهم متجهين صوب جبال قبيلة حاشد.
أدرك قادة الحركة الحوثية أن هناك أطراف محلية وأطراف إقليمية تسعى لكسر شوكة أولاد الشيخ عبدالله الأحمر في قبيلة حاشد فاتجه الحوثيون صوب قبيلة حاشد لتنفيذ مبتغيات أطراف خارجية ومحلية.
وفور وصول الحركة الحوثية إلى مشارف حاشد صرخ نذير قبيلة حاشد قائلاً(الحيثان قادمون) وهنا تحول اسم الحوثيون الى "الحيثان" جمع مختصر بلهجة أبناء حاشد والحيثان هنا تكتب وتنطق بالثاء.
أما عندما وصلوا إلى مشارف قبيلة أرحب محافظة صنعاء فصرخ نذير قبيلة أرحب قائلاً(الحيتان قادمون) وهنا تحول الحيثان بلهجة أبناء حاشد إلى حيتان بلهجة أبناء أرحب.
فإذا سألت أي شخص من قبيلة أرحب عن الحوثيين فستلاحظ أنه يطلق عليهم اسم الحيتان وهو يتحدث عن الحوثيين، وهنا فقط ستدرك أهمية مدلول اللفظ المطلق على الحركة الحوثية عبر مراحل تاريخها الحربي وهي تنتقل من منطقة إلى منطقة أخرى شمال وشرق صنعاء.
فيصل الصفواني
الحيتان..على مشارف صنعاء 1498