يقال في المثل الدارج (ياما في السجن مظاليم) لكن لا يتحدث الناس عن المجرمين الذين يتمتعون بكامل الحرية وهم يمارسون على الضعفاء أبشع أنواع الظلم والقمع والتنكيل.
فأين هم الأبرياء؟! وأين هم المتهمون.
في الواقع, تعج سجوننا بالأبرياء والقتلة معاً, ويحدث الأمر ذاته خارج السجون أيضاً حيث تعج شوارعنا وتضج حوارينا بأرباب السوابق والنحل الرخيصة المعدمة.
فالسجن والمجتمع بيئتان جاذبتان لأنماط مختلفة من الناس ويذهب ضحية لهؤلاء الأبرياء الذين لا حيلة لهم ولا سبب, السجن مرتع خصب لاكتساب ألوان الخطايا والمجتمع أيضاً غني بأنواع البلايا, وبين هذا وذاك أصحاب قرار سياسي واجتماعي وأخلاقي لا يقومون بواجبهم كما ينبغي أن يكون.
في التجربة السعودية الأخيرة لتحويل السجون إلى مراكز تأهيل وتأديب ورعاية تحول دون استمرار نزلاء السجون في طريق الانحراف والضياع.
فما الذي يمنع من أن تكون سجوننا في اليمن مراكز كتلك التي في المملكة تحاول إصلاح المجتمع عن طريق إصلاح الأدوات التي يمكن أن تكون سبباً في هلاكه؟!.. إن المعاملة التي نلمسها لنزلاء السجون من خلال زياراتنا المتباعدة لها لا تدل على وجود نية صادقة لتأهيل هؤلاء النزلاء للعودة إلى الحياة بعد تأهيلهم أخلاقياً ودينياً ومهنياً, بل ما نراه أن هذه السجون أماكن لممارسة الانتقام المنظم من لم يرتكب جريمته تلك إلا بعد أن وجد نفسه عارياً من رعاية الدولة والأسرة والمجتمع وكل من يمكنه تقديم العون قبل أن يكون هؤلاء محترفون حقيقيون للعنف والجريمة بكل أشكالها.
إنها أدلة كافية لتراجع الحس الإنساني لدى من يقع على عاتقهم أمر هؤلاء المتضررين من مشاكل وضغوط اجتماعية يعانونها صغاراً وتظهر على سلوكياتهم كباراً بإرادتهم أحياناً ورغم عنهم أحايين كثيرة.
مظاليم السجون وسجناء المجتمع, كلهم بحاجة إلى إعادة تأهيل لنرفع عن مجتمعنا ظلمة الانحراف والجريمة.
الأمر لا يحتاج إلا إلى بعض الإنسانية فقط بالإضافة إلى وجود شراكة مجتمعية فاعلة تهدف من خلال برامجها وأنشطتها المختلفة إلى تحقيق مبادئ دينية واجتماعية وراقية تنعكس آثارها الإيجابية على هذه الشريحة الأقرب إلى العنف بفعل أسباب وعوامل داخلية وخارجية, موروثة ومكتسبة يعانيها هؤلاء بمفردهم وبمنأى عن صحوة إنسانية تشبه انتفاضات سياسية لا غاية لها إلا المصلحة الخاصة, هذا لا يمت للقيم المجتمعية بأي صلة, فالإنسان في لغة السياسة مجرد جملة اعتراضية يمكن الاستفادة منها وحذفها لتحقيق معنى معين.
هذا الظلم والتهميش الذي تشهده سجوننا ينعكس يوماً ما على بنية المجتمع, حين يكون هذا المجتمع سبباً من أسباب الولادة المبكرة لمجرمين صغار وقتلة كبار لم يكن بيديهم إلا أن يكونوا كذلك.
ألطاف الأهدل
مظاليم السجون 1335