درجت معظم الأقطار والبلدان العربية والإسلامية على تمثيل حياة الأحادية السياسية والشمولية المفرطة في ظل تنامي انعدام التوازن في موازين القوى السياسية, والتي دأبت معظم الأنظمة السياسية الحاكمة إلى التغييب المعتمد لها باعتبارها قوى معارضة يعيقها النظام السياسي الحاكم من الحصول على حجم طبيعي في مجلسي النواب والشورى والمجالس المحلية والبلدية في طريق التهميش والإقصاء والتهجير لبعض الشخصيات السياسية المؤثرة المناوئة للنظام السياسي الحاكم.
لذلك ظلت الحياة السياسية والاقتصادية في معظم البلدان والأمصار العربية والإسلامية هامدة وراكدة رغم ما تحاول أن تظهره تلك البلدان في وسائلها الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة في أنها ناطحات السحاب في مجال العمل السياسي وفي أنها حققت معدل نمو رفيع في المجال الاقتصادي دون حياء من الله ثم من الشعب العربي العظيم الذي يئس تحت طائلة الفقر والبطالة حتى في تلك البلدان النفطية التي تعاظمت فيها البطالة لحملت أعلى المؤهلات الجامعية والأكاديمية وعوام الناس لترى شاباً جامعياً يخيط الأحذية وآخر يحمل الدكتوراه ويعمل مراسل في إحدى الشركات, ذلك لأن المشكلات الاقتصادية والأزمات السياسية والاجتماعية في وطننا العربي والإسلامي الكبير منشأها من الاضطراب السياسي وانعدام التوازن السياسي في موازين القوى السياسية حيث الأحادية السياسية والشمولية والإقصاء والتهميش, وغياب العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية, واختفاء الحقوق الخاصة والشخصية والحرية المنضبطة بشرع الله -عزو جل- فضلاً عن غياب الشراكة الوطنية، واعتلاء روح التفرد في العمل والقرار.
واليوم يمضي اليمن منفرداً عن باقي دول الربيع العربي إلى آفاق رحبة من إعادة التوازن في موازين القوى السياسية والاجتماعية كثمرة طيبة من ثمار ـ ثورة الشباب الشعبية السلمية التي لم تأتِ برفع أقوام وهضم آخرين بقدر ما أتت معبرة عن الإرادة الشعبية في إعادة التوازن في موازين القوى السياسية والاجتماعية وما حققه من أثر طيب تبدى في تعميق الوفاق والتوافق الوطني بعيداً عن مضامين الإزاحة والإحلال وتماشياً مع العهد الجديد الذي أختطه اليمانيون من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي تنص مخرجاته على تحقيق إعادة التوازن السياسي في موازين القوى السياسية والاجتماعية دون تهميش أو إقصاء لأي طرف مهما كان حجمه ضئيلاً ناهيك عن الابتعاد عن المحاصصة بجعل صندوق الاقتراع هو الميزان الحقيقي لأحجام القوى والمجاميع السياسية في مجلسي النواب والشورى والمجالس المحلية عبر التداول السلمي للسلطة وإجراء التغيير السياسي السليم في الانتخابات الرئاسية، وحصد أصوات الناخبين بتحقيق الحياد بالنسيبة لمؤسسات الدولة الرسمية وعدم تسخير المال العام لصالح مرشحين بعينهم مع ضمان نزاهة مجمل العمليات الانتخابية بحيث نبعد المواطن ناخباً ومرشحاً بعيداً عن ضغوط الترهيب والترغيب بشتى أشكالها وصورها القبيحة.
لقد اختط الشعب اليمني العظيم عهداً جديداً من الانطلاق الحقيقي لعجلة البناء والإعمار الوطني الشامل لمختلف مجالات وميادين الحياة العامة صوب التأكيد على الشراكة الوطنية الحقيقية بين مختلف جميع قوى النضال والعمل السياسي المشترك نحو فضاء رحب من الممارسات السياسية المسؤولة بعيداً عن الشمولية والأحادية السياسية بإشراك مختلف القوى السياسية في عملية البناء الوطني الشامل للدولة المدنية الحديثة وإشراكهم بعد بناء الدولة المدنية باعتبار التفرد في القرار والعمل الوطني مفسدة يجب درئها في ظل النظام السياسي الجديد الذي سيحترم فيه القيمة العظمى للإنسان اليمني وسوف تختفي لظى الأسعار الجرعية التي كانت دأب وديدن الحكومات السابقة المتعاقبة في ظل النظام السياسي السابق الذي فرض على الوطن عزلة حقيقية في مهام الإعمار والبناء الوطني الراشد الذي باتت تترسخ مبادئه وقيمه الوطنية الحديثة في ظل النظام السياسي الجديد وما يمكن أن يفرضه التوازن السياسي الخلاق من ثمار ـ كالتوافق والشراكة الوطنية وعدم تسخير المال العام لخدمة أفراد بعينهم.,, والله الموفق.
عصام المطري
عن التوازن السياسي وأثره 1193