لا أعني بالقيادة هنا قيادة السيارات طبعاً، فالقيادة على شوارعنا تشبه القيادة عبر ألعاب الفيديو على حد تعبير إحدى الأخوات التي اضطرت لتوظيف سائق خاص بالرغم من أنها تجيد القيادة، إنما ما أعنيه بالقيادة هو إدارة الذات، بالإضافة إلى إدارة الفريق الذي تنتمي إليه وظيفياً، فهذا في حد ذاته فن له طرقه ووسائله الخاصة، ولن يصدق أحد أن تلك العلوم ذات الصلة بالتنمية البشرية ليست إلا نصوصاً مترجمة من سيرة المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الكرام .
ولعلي من أولئك الأشخاص الذين يعشقون المزج في موادهم التدريبية ـ كمدربة تنمية بشريةـ بين أسس وقواعد وقيم الدين الحنيف وبين ما تحمله تلك الكتب المترجمة من قواعد تنموية تسعى إلى اكتشاف الذات وقيادتها وتطوير مهارات الأفراد في التواصل مع أنفسهم ومع الآخرين من حولهم، بالإضافة إلى الاعتراف بوجود مهارات حياتية ضرورية يجب صقلها واستخدامها للارتقاء بالمستوى الفكري والمهاري للفرد بشكل خاص ومدى انعكاس ذلك على المجتمع بشكلٍ عام.
ولكن الأهم في مسألة إدارة الذات وتوجيه السلوك هو التحكم في المشاعر الناتجة عن التعديل في مسار الفكر والسلوك التابع له، فالقيادة مهارة معقلة لأنها تختص بإدارة المشاعر قبل توجيهها سواءً على المستوى الشخصي أو على مستوى التعامل مع أفراد المجموعة الواحدة، ولعل المثل الذي يجب أن نضربه إيماناً منا بكونه قدوة هو النبي الأمي الذي لم يدرس شيئاً في التنمية البشرية ولم يتتلمذ على جهابذتها المعاصرين، إنما كان هذا النبي العظيم قادراً على توجيه مشاعره والتحكم بها فنجح في أن يكون نقطة جذب لكل من حوله، ولم يستخدم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذلك إلا ذلك الإيمان العميق والسكينة الراسخة والذي نضحت بهما فطرته النقية في سلوكيات كان اللين على رأسها والرحمة في أوسطها, والغفران يحيطها من كل جانب، من هنا نقول إن القيادة قد تصل إلى درجة الشغف وهنا لا زال الأمر مشروعاً وإيجابياً إلى حدٍ كبير، إذ لا يمكن لأي كان أن يُشغف بالقيادة إلا إذا ملك الكثير من الإدارة والطموح والتحدي والقدرة على مواجهة الصعاب، لكن بمجرد أن تتحول إلى شغف بالسيطرة وإلغاء وجود الآخرين واستغلال طاقاتهم الكامنة والاستفادة من مهاراتهم في إدارة المصلحة الخاصة به، هنا يبدأ مرض القيادة الذي تظهر أعراضه واضحة في عدم القدرة على التواصل وضعف تقبل الآخر والإدارة السلبية للذات عبر استخدام رسائلها بشكل عشوائي متخبط وبلا أهداف واضحة، وهذا يظهر بوضوح مع أصحاب القرار السياسي، وبلا أهداف واضحة، وفي شخصيات القادة على المستوى الإداري أو في المجال الاقتصادي من هنا نؤكد على أن القيادة فن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
ألطاف الأهدل
القيادة شغف لا تجعلها مرض 1427