محور النهضة وهدفها الإنسان التواق دوماً إلى تحقيق أعلى درجات الكمال البشري الذي يمكنه من وضع بصمته في الحياة، بصورة توصله وغيره إلى العيش الهنيء الرغيد، في ظل ما يقدمه من إنجاز، على طريق النهوض الحضاري، وقياماً بواجبات الاستخلاف، تحقيقاً لمقصد الله من خلقه للإنسان والمبين في محكم التنزيل بقوله جل في عُلاه مخاطباً الملائكة:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(30 البقرة).
إنه لما صار مرتكز حضارات الأمم ومٌعول ومقصِد نهضة الدول الإنسان، فإن الله الذي أمر الإنسان أن يقيم على الأرض حضارة ويشيد عليها نهضة كان قد بين سبحانه أهم المقومات التي ينبغي أن تكون متحققة في إنسان النهضة والتي من أهمها: الإيمان، والأخلاق، والعلم، والعمل، وهي المقومات ذاتها التي جاء بها القرآن والتي أرساها حبيبنا صلّ الله عليه وسلم في الجيل الذي انتشله من مستنقع التيه، والقطيعة، والاقتتال، والرذيلة، والجهل، والعوز، فصار يعيش قطيعة تامة ومنقطعة النظير مع ماضيه الأسود الذي جعله يعيش على هامش التأريخ، وفي مؤخر ركب الأمم.
إن النهضة التي ننشدها والتي نؤمل أن نشيد أركانها في واقعنا اليمني على وجه الخصوص لا بد أن تلبي متطلبات الروح، بما تدعوا إليه من إيمان وأخلاق يتشبع بهما العبد فيصير وثيق الصلة بخالقه ومولاه المتحكم وحده في مجريات هذا الكون، ووثيق الصلة بالخلق الذين لا يمكن له أن يستغني عنهم ولا يمكن لهم أن يستغنوا عنه، ليصبح العبد على إثر صلته الوثيقة بالله سليم الفؤاد، مستنير العقل، مستبصر الدرب، وعلى إثر رفعة خُلقه، إيجابي التفكير، مبادراً لمد جسور صلته بالناس ليصلهم خيره ونفعه، وينقطع عنهم شره وأذاه، وهنا كان ولا بد كي تُلبي متطلبات الروح أن يكون إنسان تشييد نهضتنا على إيمان عميق بالله وعلى خلق رفيع سامٍ يتعامل به مع الناس وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
كما ينبغي أن تشبع نهضتنا احتياجات العقل ليسموا بصاحبه في فضاءات العلم والبحث والتفكير، وذلك بما تتبناه من علوم، ومعارف، وما تشجعه من بحوث، وكشوف، وتفكير، وتطوير، وتنظير، غرضها تحويل جموع الشعب إلى أدوات للبناء تسهم في تحقيق الرخاء، وتعمل على استنقاذ من سقط منهم في مستنقع الدماء والأشلاء بسبب الفراغ العقلي العلمي والمعرفي والذي نتج عنه تخبط عقلي أفضى إلى التفكير بصورة عدوانية، ليصيروا أعضاء فاعلين في المجتمع، وفي هذا المقام لنا أن ننوه بأنه لا يمكن لنا أن نحقق نهضة علمية ومعرفية إلا إذا كانت أدوات بناء النهضة العلمية التي ستلبي حتماً احتياجات العقل من الكفاءات العلمية العالية، وكنا نحن كشعب على استعداد تام لإحداث تحول علمي ومعرفي في مختلف جوانبنا الحياتية.
هذا ولا يخفي على ذي بالٍ أن من أهداف أي نهضة مجتمعية تحقيق الرفاهية ولو في أدني مستوياتها للمجتمع، ولن تتحقق الرفاهية للمجتمع إلا ببذل أسبابها والتي يكمن أهمها في العمل المنتج والعطاء المتجدد، وهو ما نحتاج أن نترجمه اليوم في واقعنا العملي اليمني بصورة تظهرنا أمام العالم وقد نبذنا الخمول، وثُرنا على الكسل، والسكون، وبدأنا السير بخطىً واثقة في طريق التحرر من تبعية الحاجة للغير وصولاً إلى النقطة التي نسترد فيها إرادتنا ونستعيد من خلالها قرارنا، وهذا لن يأتي لنا إلا إذا قرر مجتمعنا بكل فئاته وشرائحه وطوائفه التحول إلى طاقات متجددة ومنتجة..
فهل لنا أن ننسجم بإيمان عميق، وأخلاق راقية، وعلوم ومعارف متجددة، وعمل جاد منتج ومثمر، مع التحول الذي صغناه والتغيير الذي نشدناه لنسهم في تشييد نهضة اليمن؟!
الله أسأل أن يحفظ بلدنا اليمن من كيد الكائدين وتأمر الخائنين وأن يردهم على أعقابهم خائبين إنه على ما يشاء قدير وهو نعم المولى ونعم النصير..
نجيب أحمد المظفر
إنسان نهضة اليمن..! 1374