يلعب الفساد دوراً كبيراً في تغيير القيم الوظيفية وتوظيف أنماط السلوك السلبية لتحتل محلها أو تعبر عنها, وهذا الأمر لا يشكل خطورة على من يمارسه ويتغاضى عن إمكانية تصحيحه, بل أنه خطر بشكل أساسي على نوع الخدمة المقدمة والسياق الذي يجب أن تسير فيه خاصة وأننا في مجتمع المحاكاة بين القيم الموروثة والأخرى التي يجب اكتسابها حتى نتمكن من مجاراة الواقع الحضاري لأمة تنسى ماضيها وتتجاهل تاريخها كل, وينتشر ذلك السلوك السلبي المرتبط بالوظيفة لدرجة أن يكون أحد مقوماتها أو مدخراتها التفاعلية في الوقت التي يدعو فيه العالم لضرورة تحرير الوظيفة من قيود الفساد التي كانت أحد أسباب الأزمة الاقتصادية في العالم بأسره, وفي الوقت الذي يراها هؤلاء الرأسماليين سبباً في انهيار الاقتصاد, نراها نحن كمسلمين بطريقة شمولية فهي سبب انهيار بنية القيم والمعتقدات الدينية أيضاً فالفساد هو الفساد, إذاً لا جدوى من فصله عن المجتمع لأن دعاة الفساد و ومروجيه ومسوقيه هم من المجتمع أيضاً, ونتيجة لحركة الذوبان التي تنشأ بين فصائل المجتمع على اختلاف توجهاتها فإن كل ما يمكن أن يصب في قالبها سيتسرب بشكل أو بآخر إلى سواها من طبقات المجتمع, وكلما كانت الكثافة السكانية عالية كلما كان الأمر أسوأ في ظل غياب الرقابة السلوكية داخلياً وخارجياً.
بداية انهيار المجتمعات تبدأ بانهيار بنيتها الأخلاقية وليس الاقتصادية لكن هذه النظرية أصبحت معكوسة اليوم بسبب وجود النظام الرأسمالي وسيطرة فكرة التنمية الرأسمالية القائمة على بناء الفرد وفق مدخراته العملية ومهاراته التسويقية.
وهنا يحدث التناقض الكبير في مجتمعاتنا العربية حيث أننا نعيش بنصف رؤية وبنصف هوية ونصف أنظمة حاكمة, وباختصار نحن شعوب محكومة ومسيرة وليس لها خيار البقاء بأفضل حالاتها.
إنما البقاء بأقل ما يمكن من الخسائر, وإذا عدنا للتنشئة كنواة أساسية في جدار شخصية الفرد نجد أننا وفي مجتمعنا تحديداً نعاني وبشدة من عدم القدرة على تربية أبنائنا بمعزل عن الفساد أياً كان نوعه, فنحن نمارس الفساد تقريباً في كل بيت ونحاول أن نحاربه أيضاً من كل بيت, وهذا التناقض يجعل أبنائها باقون على نمط من أنماط الفساد الذي نمارسه أثناء تأدية وظائفنا التربوية داخل المنازل وعلى مقاعد الدراسة كزاوية تربوية أخرى من المفترض أن تكون الوجه الآخر للمنزل, لكن ذلك لا يحدث لأن سياستنا التعليمية فصلت بين التربية والتعلم بواو عالقة لا تمتد جذورها إلى عالة العطف ولا تمت للود بصلة!
الفساد في هذا الوطن الجميل أصبح سلوكاً سائداً, وأداة تعبيرية رائجة, فلكي يعبر أحدهم لآخر عن حاجته لخدمةٍ ما يمنحه شيئاً يفوق سعر الخدمة المقدمة ويتعداها إلى غير حاجة, وهذا ما نسميه في شرعنا وديننا الحنيف (رشوة), وما يسميه الآخرون من أصحاب الذمم الواسعة (هدية ـ مكافأة ـ اعتراف بالجميل...).
ألم أقل أن الفساد أصبح سلوكاً؟! ومن يقول غير ذلك عليه أن يأتي بحجة قوية تقنع هذا الشعب بعدته وعتاده..
ألطاف الأهدل
فساد من نوع آخر 1336