تقطر أقلامنا أسى في بعض ما نكتب، وتشع كلماتنا أملاً في البعض الآخر، ذلك إننا مثل كل الناس، نغضب ونرضى، نفرح ونحزن، فإذا بأقلامنا مرايا تفضح هذه المشاعر وتكشف تلك، لكن لا زال في الدنيا خير كثير ولازال بإمكاننا أن نفعل كل ما نستطيع لتبقى حياتنا أجمل وأروع.

يفرحني أن في عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا سلوكيات إيجابية تجاه المرأة والجار والصديق والغريب والأقربون من الناس في النسب وفي غير النسب، فبقدر ما تتعرض المرأة لانتهاكات إلا أنها تبقى خطاً أحمر لا يمكن للغريب تجاوزه أو الاعتداء عليه، يبقى لها احترامها في الأماكن العامة وباصات الأجرة وكل الأماكن التي يصبح فيها الاختلاط ضرورة لأجل العلم أو المعرفة أو قضاء المصلحة أياً كان نوعها، وأما ما يخص المجورة فإن مجتمعاً كمجتمعنا لا يمكن أن تكتمل فيه صورة الرسالة الدينية والأخلاقية دون أن يكون فيه احترام لحرمة الجار بل إننا قد نصل في علاقات التجاور أحياناً إلى مرحلة الأخوة لنصنع شبكة متماسكة من العلاقات حرية شخصية وليست مسئولية دينية، ففي حث النبي الأكرم ـ عليه الصلاة والسلام ـ على الإحسان إلى الجار دعوة إلى حمل تلك المسئولية وترجمتها عبر سلوك واقعي لتبقى بنية المجتمع سليمة وخالية من البغضاء والعنف والكراهية، وإذا لم تكن هناك علاقات ديناميكية كهذه فإن المجتمع سيتحول إلى قطيع بشري خالٍ من القيم، وستصبح منازلنا محميات إنسانية لا يمكن الاقتراب منها تحت أي ضغط أو مسمى.. لا زال المجتمع بخير رغم ظهور الكثير من السلوكيات السلبية التي نخاف أن تصبح قيماً يعتنقها أصحابها فتتحول إلى عقيدة راسخة يبذلون لأجلها النفس والمال.

 استقلال الأبناء عن عائلاتهم بدأ يأخذ طابع القيمة العقائدية، فالأسرة الأبوية تكاد تكون صورة تراثية متناقلة أو متداولة بشكل استعراضي لحيوية المجتمع القديم ذو العلاقات المترابطة، وأما مجتمع اليوم فقد أصبح مسرحاً مفتوحاً لكل السيناريوهات التربوية بعد أن أصبحت السلطة الأبوية شرفاً يناله الآباء والأمهات تماماً كألقاب مثالية وصفية لا أساس لها، ومع هذا فلا زالت بعض القيم على حالها لم تتغير، اللهم في بعض الأوساط ذات النمط التربوي المنفتح والتي استقت أساليبها التربوية من مجتمعات أخرى عاشت تفاصيلها الاجتماعية خلال البعثات الدراسية أو العملية، وبوجود هذه الثورة الإعلامية اليوم فلم تعد الحاجة ماسة للسفر حتى يتم التلاقح بين الثقافات، فها هو المجتمع يأخذ نصيبهُ منها دون حاجة أبنائه للخروج عن حدوده الجغرافية ولو بسنتيمترات قليلة، والمهم في نهاية المطاف أننا لا زلنا نحظى بعلاقات وقيم اجتماعية محافظة هي ما يدعم بقاءنا بعيداً عن خط الانفتاح الأخلاقي الذي دمر مجتمعات كثيرة يجب الاستفادة من تجربة الانفتاح فيها والأخذ بعين الاعتبار مستوى العلم والثقافة التي يتميز بها مجتمعنا.