كانت قنينة الماء المعدني مملوءة بالشاي الأحمر البارد وتتشبث بها يده اليمنى بكل ما أوتيت من قوة أما يده اليسرى فقد أمسكت بتلابيب قرص الروتي النحيل المنقرض وإذا به يذوي في قضمتين اثنتين!
الجوع كان هو المتحدث الوحيد بين صفوف طلاب مدرسة ابتدائية زرتها في إطار مهامي الوظيفية، ولقد تمنيت عندها وأنا أرى هؤلاء الأطفال في وقت الفُسحة المدرسية (الراحة) أن أكون لقمة تشبع أجوافهم الخاوية!.. ففي أي عالم نعيش نحن؟ أي دين نعتنق؟ أي عقيدة تملأ قلوبنا؟ في كل يوم يمضي أكتشف حجم الكذبة الكبيرة التي نعيشها، كذبة اسمها وطن، فأين هو الوطن من هؤلاء الصغار؟ أين هو من حرارة الجوع التي تحرق أجوافهم؟ أين هو من مدرسة تعلمهم أبجدية العنف وإنكار الذات والسخرية من الواقع دون محاولة التغيير.. هل يمكن أن يكون هذا الوطن قرص خبز ساخن؟ هل يمكن أن يصبح فراشاً وغطاءً؟ هل يمكن أن يكون لعبة ودواء؟ كيف نعلم هؤلاء حب الوطن والوطن لا يحبهم؟ من أين أبدأ وبأي طريقة أتحدث حين ترمقني أعينهم التائهة في بحر المجهول؟ ليس هناك ما هو أقسى على النفس من أن تكون عاجزاً عن تقديم المساعدة وأنت راغب بها ومؤمن بقدرتك على إسعاد الآخرين بها، الأطفال حلقة ضعيفة في نظر العاجزين فقط، أما أنا فأراهم نقطة قوة يجب أن نبدأ بها قصة المستقبل القريب الذي سنبنيه معاً وإياهم بلا حديد أو حجارة أو أسلاك شائكة. أرى في (حمزة) أفقرهم وأكثرهم حزناً، لأنه لم يرتدي الجديد في يوم العيد، أراه ذلك الفنان الذي سيرسم مستقبله بلون السماء ونكهة المطر، وأرى في عبد الكريم وعبد الرحمن وزيد المنشدون الذين غزلت حناجرهم ترنيمة الحب الطاهرة لوطن أرادوهُ وحال بينهم وبينهُ إنهم اصغر بكثير من أن تلمسه أيديهم، حمزة رسم على سبورة الصف حصاناً جميلاً، والآخرون أنشدوا ما حفظوه عن منشدين كبار حملوا اسم اليمن كما تحمل أناملهم بصمتها الدائمة، لكن هل يستيقظ هذا الوطن كماردٍ أليف ليعود محتضناً أبناءهُ كما كان يوم كانت الأرض وكان السدُّ والجنتين، هي في كتاب الله بلدة طيبة ولا تزال، لكنها ابتليت بشعبٍ ينام أكثر مما يستيقظ، ويجلس أكثر مما يعمل أين يمكن أن نضع جيلاً بهذا الحماس في مثل هذه الحقبة النائمة من تاريخنا؟.
ألطاف الأهدل
هكذا وجدته.. 1419