مثل ذرات سائبة تبقى مشاعرنا حين ينفرط عقد الحب وتفتح قلوبنا أبوابها في غياب حس الشريك الذي يكتفي بالصمت أو الهروب أو الانطواء في زاوية النسيان, ما تبقى له من الحياة وحتى تعود تلك المشاعر المغادرة إلى أعشاش قلوبنا نتعلم كل يومٍ درساً جديداً في فن النسيان، ولولا حدوث ذلك لغادرنا أبراج الحياة قبل الأوان، يحدث النسيان رغماً عنا وبطريقة لا ترفضها حواسنا ولا تتمرد عليها مشاعرنا، بل إن كل ذرات أجسادنا تُصاب بالذهول إذا لم نمنح لطيف النسيان تأشيرة دخول مفتوحة يمارس عبرها النسيان كل صلاحياته المطلقة فينا لضمان تنقية عقولنا من كل تلك الفوضى العارمة التي تحبس أنفاسنا وتعوق تطورنا، وإذا أردت أن تجعل النسيان سلوكاً تمارسه ولعبة تتقن تفاصيلها وتتفوق على نفسك، فيها فمن الضروري أن تغادر محطة الحدث الذي اكتشفت من خلاله أنك أضعف ما يمكن إلى حدث آخر تصنعه بنفسك لتكتشف من خلاله أنك أضعف ما يمكن، لكن من المفيد قبل أن تبدأ صناعة حدث جديد وتختبر قدرتك على مواجهة نفسك، فمن المهم أن تسمح لدواء النسيان بالمرور عبر أروقة فؤادك أيضاً، إذ أن كل تلك الجراح التي نعيشها لا تنحت معالمها في عقولنا فقط بل على جدران قلوبنا أيضاً، وإذاً فحتى نعيش بدون عقد أو مواقف أو سلوكيات خالية من اللين والحكمة ينبغي أن نسمح لمناطق الخوف والحذر والكتمان فينا أن تتخلص من الحزام الشائك الذي تفرضه حولها خوفاً من الوقوع في أي منزلق بغيض، لكننا بين الحين والآخر بحاجة إلى (تقليب) محتوانا الإنساني، وإضافة رشة البهار اللاذعة للشعور بالتفوق وإعادة الإحساس بالذات، حياة الإنسان أشبه بمسودة لقصة طويلة يجب إعادة ترتيب أوراقها قبل تقديمها في نسختها النهائية, التي يمكن أن يقرأها العالم بأسره، وبعد فإن للنسيان في حياة البشر دور المربي الحاذق الذي يدرك تماماً متى يتدخل ومتى يتركنا لنمارس فضيلة الاعتماد على النفس، لكنه قد يعجز عن التوجيه إذا لمس فينا مشاعر التمرد والمواجهة غير اللائقة، ومن هنا كانت الضرورة لممارسة رياضة المرونة والارتخاء وتحقيق اللياقة الكاملة لمشاعرنا الساكنة في أعماقنا منذ أن كنا مضغة ساكنة وحتى أصبح لأحدنا في هذه الحياة صولات وجولات مارسوا فن ترويض المشاعر حتى يمكن للنسيان أن يلعب دور المدرب الرياضي الذي يصقل تلك المشاعر لتبدو أقوى وأجمل وأكثر قدرة على التحمل، وفي نهاية المطاف، إذا لم نفعل ذلك قد تصيب مشاعرنا "تخمة" البوح فبدو مثل تلك الحيوانات الضخمة التي مهما كانت دافئة من الداخل إلا أنها تبقى مجرد حيوانات!.
ألطاف الأهدل
حتى لا تصاب مشاعرنا بالتُخمة 1518