في مدينتي الجميلة تختبئ الجدران خلف مفردات الموت والنسيان والفرح, فحيثما يسير المرء في تعز سيقرأ عن حكايات الناس التي خطتها أنامل الشباب اليائسة من الحياة, جدران تحمل التهنئة وأخرى تحمل التعزية وثالثة يتخذها البعض منهم أوتوجرافاً ضخماً ليسجل على صفحاته الصلبة كل ذكرياته المثخنة بالجراح.. جدران مدينتنا الباسمة أصبحت مثل سيناريو مفتوح لكل إنسان ومن كل إنسان فيها.. كل الأيام أصبحت متشابهة فكل الجدران تحكي ذات القصة كلما أشرقت الشمس. جدران المدينة أصبحت مثل سجل زيارات كبير يحمل توقيع كل زائرٍ "لتعز" وكل مسافر منها.. إنها الهوية التي عن طريقها يستطيع الغرباء أن يعرفوا في أي مدينة هم ومن هم سكانها.
لكل منا صفحة على الفيس بوك. ولكل منا طريقته في التعبير عن نفسه, فالبعض يرسم والبعض الآخر يكتب, والموضوع في نهاية المطاف واحد.
هموم وطنية تعجز عقولنا عن استيعاب أسبابها تماماً كما يعجز الساسة في اليمن عن استيعاب أسباب البقاء والفناء لهذا الشعب.. لكن للشعب أيضاً مساوئه التي لا تستطيع أن تستوعبها أي حكومة, ومع هذا فلا بد لكل قطيع من (كلب) حراسة,
هي بيت الفن المفتوح, ومدينة الكبرياء والشموخ, لكنها أيضاً مدينة الجدران الباكية, تلك التي أبت أن تكفكف دموعها حزناً على من أتكأ دون جدرانها طفلاً وشاباً يافعاً ثم شهدت نعشه وهي صامتة لا تستطيع أن تصرخ مما يصرخ البشر من هوم الألم.. ها هي تعز اليوم, مدينة تحكي تاريخها الجدران المولعة بالألوان والقصائد الملتهبة بالحماس والشعارات المتوهجة بالعنف والسكينة معاً. هذه المدينة المرسومة على جدار الجغرافيا تكاد لا تنهض حتى تسقط من جديد على صوت العنف والموت والعصيان, فمدينة كهذه أحق أن تكون بين مدن زارهن التاريخ سائراً على قدميه وغادرهن على نعشه! لكن ولأنها "تعز" فإنها تكاد تغادر الحياة من بابها الخلفي حتى لا يراها العالم وقد أسلمت نفسها للموت راضية وعانيه ولأن مدينة "تعز" لا تخفي فيها خافية كان التكرار الحرفي للأحداث سمة بارزة على جدران الحواري وعلى اختلاف توجهاتها السياسية والعرقية’ إلا أن قضايا الوطن جعلت من جدران المدينة صحيفة يمكن أن يتصفحها العابرون إلى تعز كل صباح عبر نسخة مجانية لا أثر فيها لمقص الرقيب! ومن المضحك أن كل كُتابها ومفكروها وقادة الرأي فيها شباب لم يتجاوزوا السن الانتخابية!.. اليست الانتخابات حدثاً في حياة هؤلاء؟!.. لذا هم يكتبون على جدران مدينتهم:
نعم لقانون يحميني حياً وميتاً!
ألطاف الأهدل
مدينة الجدران 1420