جميع الثورات التي قامت في عالمنا العربي بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن واضحة الهدف في إيجاد دولة مدنية حديثة وقد انقسمت إلى قسمين الأول تحرري لطرد المستعمر وبناء الدولة المستقلة وعند نجاح هذا النوع من الثورات تكون قد أسست للدكتاتورية وكبت للحريات وتصفية الخصوم والمعارضين تحت ذريعة الدفاع عن الوطن والثورة حتى يصل الأمر إلى الصراع بين أجنحة الحكم ويتجسد ذلك في شكل انقلابات أو تصفيات جسدية وطبعاً يصدر البيان الأول أن ما قاموا به من أجل الشعب ولمصلحة الوطن الخ..
والنوع الثاني من الثورات تحت مسمى التخلص من الحكم الوراثي التابع للاستعمار والطبقات الإقطاعية وتحرير فلسطين وبعد النجاح إن تحقق تسلك مسلك النوع الأول..
والمتأمل في ما آل إليه العالم العربي بعد ثلاثة وأربعين عاماً من خروج آخر مستعمر إننا لم نحقق أياً من الشعارات التي رفعت من الثوار وحتى من الأنظمة الوراثية.. والطامة الكبرى أن الأنظمة الثورية تحولت إلى التوريث.. وقد حقق العالم خلال هذه الفترة من التطور ما لم يحققه في تاريخ البشرية وعالمنا العربي لم يصل إلى مرحلة بناء الدولة..
وأجزم أن السبب الرئيسي غياب المشاركة الشعبية الحقيقية وسيطرة النفوذ الأجنبي على أنظمة متهالكة لا يهمها إلا البقاء على الكراسي والنهب لمقدراته إيماناً منها بالمثل القائل "جوع كلبك يتبعك" وأوصلت بلدانها إلى الصراعات العرقية والمذهبية والتخلف والتبعية وبالطبع تتحمل الشعوب الجزء الأكبر من المسؤولية لخنوعها واستكانتها والتسليم بالفسدة دون المشاركة الحقيقية..
كانت المحاولة الجادة الأولى في اليمن لإشراك الشعب في الاختيار ما تضمنته اتفاقية الوحدة 1990م والتي كانت من شروط الوحدة التي فرضها الحزب الاشتراكي اليمني ولكنها لم تكن واضحة بما يكفي وجرى الالتفاف عليها حتى العام 94م بالتوقيع على وثيقة العهد والاتفاق وحملت أغلب بنودها ضمانة حقيقية للبدء في التأسيس لدولة مدنية حديثة إن تم تطبيقها ولكن ولأن الطرف القوي في المعادلة السياسية لا يؤمن بالديمقراطية وبناء الدولة ولأن له مشاريع أخري إضافة إلى مصالح غير مشروعة للجيران وللدول الغربية ولتمريرها يجب وقف تنفيذ بنود وثيقة العهد والاتفاق حتى لو تم التنازل عن البند الأول والثاني وقد تحقق لرأس النظام البقاء في السلطة ومشروع التوريث وله وأعوانه نهب مقدرات هذا الشعب وتحقق للجيران التنازل عن الأرض اليمنية والتنازل عن أراضي جديدة ودولة متهالكة تتحكم فيها كل أنواع الصراعات والفاقة وتحقق للغرب اتفاقيات نفطية وغازية مجحفة تصل إلى درجة الخيانة العظمى وخسر الشعب كل شيء.
وكان لزاماً على الشعب وقواه الحية أن يثور لكرامته وقامت الثورة الشبابية الشعبية فبراير 2011م وكانت واضحة الهدف الذي لا يقبل المساومة او أنصاف الحلول ويتلخص في إيجاد الدولة المدنية الحديثة بكل أركانها وفروعها لأن الشعب فقد الثقة في النخبة التي جرعته من الشعارات حتى الثمالة لعقود من الزمن إذا اختصرنا كلامنا على النصف الثاني من القرن العشرين وحتى قيام الثورة وللعودة إلى العنوان الرئيسي أهم المعوقات وأدوات الثورة المضادة..
أولا يجب التسليم أن هناك اختلافا جذريا بين الثورة الشبابية الشعبية وما سبقها من ثورات يتلخص في أن من فجر الثورة الشعبية هو السواد الأعظم من الشعب والتحق بها بعض النخبة وفي سابقاتها تفجرها النخبة بأدواتها وغالباً العسكريون يلتحق بها نسبة من الشعب, تختلف النسبة في الكفاح ضد المستعمر..
وبالطبع ثورة اليمن تختلف أدوات صراعها عن الثورة المصرية أو التونسية وإن كانتا لا زالتا متعثرتان فقد امتاز النظام اليمني السابق الباقي حتى الآن في وضع معوقات كبيرة أمام الثورة اليمنية أبرزها الدعوات الانفصالية والحرب المذهبية في شمال الشمال، الصراعات القبلية والمناطقية، انتشار تنظيم القاعدة، غياب الدولة في أغلب مناطق الجمهورية، استشراء الفساد في كل مفاصل الدولة بكل وضوح، مراكز قوى تملك كل أنواع الأسلحة البرية والمليشيات، وضع اقتصادي هو الأسوأ عربياً.
هذه المعوقات جميعها صنيعة نظام فاسد وتجاوزها يتطلب عمل جاد وإدارة وطنية ويلزمها وقتا ليس بالقصير ويتطلب من الشعب الصبر واليقضة من انحراف المسار ومن أهم المعوقات التي لا يدركها نسبة كبيرة ممن غيبهم نظام الفساد أن من أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه مشارك ومتحكم في أغلب مفاصل الدولة ويملك من الإمكانيات المالية والإعلامية الكثير, إضافة إلى دعم من دول تتحكم بنسبة كبيرة في الشأن اليمني..
وللإنصاف أقول إن العائق أمام الإنجاز السريع لأهداف الثورة ليس المخلوع وأتباعه من النافذين فقط وإنما هناك بعض الأطراف التي سارت محاذية للثورة أو ركبت موجتها هي من المعوقات تضاف إلى المخلوع وليس الجميع بالطبع.
ومن المعوقات التي برزت وبقوة أن الأحزاب الرئيسية في الجسم الثوري قد نقلت الصراع الذي كان يفترض أن ينحصر ضد النظام وأدواته إلى صراع فيما بين هذه القوى وللأسف إنه في الغالب على فتات المراكز أو صنيعة رأس النظام السابق وأعوانه يضاف إليه من له أجندة مذهبية واضحة من كلا المتصارعين مذهبياً.
ومن أدوات الضعف في الجسم الثوري, التركيز على الشباب الذي ينطبق على الكثير منهم قول الشاعر العربي (خدعوها بقولهم حسناء.. والغواني يغرهن الثناء) فقد سقط نسبة قليلة منهم في براثن من لا يريد التغيير وبناء الدولة المنشودة وصنعوا منهم أبواق التعميق الصراعات في الجسم الثوري.
ومن المعوقات التقاسم في الحكومة بإدارة هزيلة ورئيس يميل إلى التلذذ والاستمتاع بالمبالغة في مدحه وهو لم يحسم مواضيع كثيرة لا تتطلب التأخير في حسمها فور وقوعها وأحينا قبل وقوعها يضاف إلى ذلك الغموض الدائم في أحداث جسام لا يتطلب فيها الغموض والمراوغة وقد تخلق هذه السياسات معوقات قد لا يستطيع الوطن السيطرة عليها في المستقبل وهي بالتأكيد من أهم الأدوات التي تستخدمها الثورة المضادة ومن أكثر الأسلحة فتكا بالمشروع الوطني وكما أن من أهم مؤشرات انتصار الثورة تفتيت منظومة الحكم فإن من أهم عوامل نجاح الثورة المضادة أن يترحم الناس على الوضع السابق للثورة برغم كل جرائمه في حق الوطن والشعب..
وأخيرا إما أن الأوان لهذا الشعب أن يضع جانبا أدوات الصراع والفتن والتسول على أبواب الفسدة النهابين لمقدراته والمصادرين لكرامته ويعود إلى الاعتزاز بوطنه ويمتلك قراره ويقوم بواجبه كحاكم فعلي وأي مسؤول مهما علا شأنه هو عبارة عن مستخدم لديه يقوم بدور محدد رسمه له صاحب السلطة الحقيقية الذي يسمى مالك السلطات أي هذا الشعب كلي ثقة أن الوصول إلى ذلك ليس ببعيدا ولكن هناك بعض الصعوبات وثقتي نابعة من تنامي الوعي وفقدان الثقة في أغلب النخب وكسر حاجز الخوف.
*
رئيس التكتل المدني لأبناء المناطق الوسطي
نجيب العجي
الثورة الشبابية الشعبية اهم المعوقات وأدوات الثورة المضادة 1267