في هذا الوطن الذي أحبه أكثر من نفسي وأولادي, تتمايل أفواج الناس غادية وآتية مترنحة بين راغب في الحياة وراهب منها, في الشوارع يسير الناس بنصف نية ونصف إرادة ونصف أمل.. بل يسيرون بأنصاف بشر.. تعوقهم السياسة عن التطلع إلى غدٍ أجمل, ويجول الفقر بينهم وبين أحداث التغيير, واعتقد أن من صنع واقعنا نجح في إلهائنا عن كل قيمة إنسانية أو وطنية رائعة, بمحاولة سد الرمق والحصول على احتياجات الحياه الضرورية في أردأ أشكالها وأسوأ أصنافها وأصعب الطرق في الوصول إليها, حتى ليشعر المرء منا أنه يعيش تفاصيل الـ (سُخرة) في زمن الديمقراطية والمتمدرقين الجدد أراهم سكارى فأتلو في نفسي قول رب العالمين: (وترى الناس سُكارى وما هم بسُكارى ولكن عذاب الله شديد) سورة الحج آية 2.. هذا التخدير الموضعي المؤقت الذي استهدفت فيه الحكومة عقول الناس ومشاعرهم جعلهم يسيرون كما تسير الدواب.. يفعلون مالا يقولون ويقولون مالا يفعلون, يمضون بلا إرادة ويتحركون بلا تخطيط, يحملون أسفاراً لا يفقهون ما فيها ولا يحاولون الوقوف لاستقرار واقعهم بعين الحاضر وفكر المستقبل, كل شيء في حياة الإنسان اليمني الـ (حاصل).. بينما ما يحصل وسيحصل يمكن أن يكون أجمل وأروع وأقوى.. تلمس الأثر القوي لحالة التخدير تلك وهم يعبرون الطرقات كما تعبر السلحفاة, أحدهم يتحدث عبر المحمول والآخر يقرأ ورقة وثالث شغلته بقايا الطعام في فمه فهو يدفع بعود التنظيف بين أسنانه وكأنه يدك جدران منجم.. رابع يسلّم على صاحبه وخامس يلعب دور شرطي المرور في المكان الخطأ.. والمهم أن الحياة عندنا غرفة عمليات لا يتوقف فيها أحدنا عن مراقبة الآخر, والكل يسير إلى حيث لا وجهة ولا هدف.. نعم نحن مجتمع كريم لكن ليس لدرجة الإسراف حتى في العبط!.
نعم نحن مجتمع بسيط, لكن ليس لدرجة رفع الكلفة والسذاجة والظهور بأثواب البلادة والعوز.. لسنا المجتمع الوحيد في العالم الذي يفوق عدد السكان فيه كم ثرواته واحتياجاته, لكننا نكاد المجتمع الوحيد الذي لا يحاول البحث عن طرق جديدة للعيش بكرامة وارتقاء, مجتمع إتكالي بامتياز من كل الجهات وبكل المقاييس, أنا لا أحاول تعرية الوضع في مجتمعي لأنه أصبح عارياً بما يكفي أمام العالم, لكنني أحاول أن أدفعه لحجب عورته عن عيون أوطانٍ أخرى قد تكون مجتمعاتها أكثر عرياً وتفسخاً, لكنها على الأقل تحاول أن تصنع من أثواب الستر ما يبقيها محتشمة!.
ألطاف الأهدل
تراهم سُكارى وما هم بسُكارى 1460