رحل (سفيان العديني) طفل العاشرة الذي علّقته الذئاب البشرية كما تعلّق أضاحي العيد، لكن هل ترحل قصة البيع والفقر والتشرد والضياع؟ أم أنها تعود إلى أطفالنا كل يوم كما تعود أسراب الطيور إلى أعشاشها قبل أن ترحل الشمس كل يوم؟ لن ننسى ما حيينا صورة طفل جردته الحاجة للعيش بكرامة من الاستماع باللعب مع الأطفال أو الجلوس إلى التلفاز أو التنزه برفقة قريب يملأ فراغ اليُتم لديه، لن ننسى براءة ملامحه تشدها تلابيب ثوبٍ بالٍ وبقايا حياة بائسة، ليس لأن تلك الذئاب مبدعة في تصميم صور الموت والعنف والرذيلة، وإنما لأن لنا قلوباً نسأل الله أن تبقى بهذا الإحساس وهذه الرحمة واليقظة، إذ لاشك أن الفرق بين إنسانٍ يستر وآخر يفضح هو ذرة الإيمان الطاهرة التي يستودعها الله قلوب عباده لكنهم يتمردون عليها متبعين خطوات الشيطان ومبتعدين عن طريق الرحمن فلا يوشك إلا أن يقع في المحظور والمحذور.
وبعد سفيان بيوم أو أيام ترحل طفلة ويعقبها طفل، وكل هؤلاء يرحلون ضحايا عنف الكبار أو نزواتهم، وكأن أطفالنا دُمى بين أيدي هؤلاء، لا أكثر، تلك البشاعة التي أصبحت تغلف جرائم اليوم تأتي على خلفية أسباب عديدة، ليس الوازع الديني أولها ولا يمكن أن نقول أن المخدرات آخرها، بل هي تأتي كنتيجة لأسباب متعاضدة بعضها سيظل معلق في ذمة الحكومة التي تسمح للكبار بالإتجار بالمخدرات، ويبقى بعضها معلقاً في ذمة التربية الأسرية أو الوالدين، وشيء كبير يبقى معلقاً في ذمة التربية الأسرية أو الوالدين، وشيء كبير يبقى معلقاً في ذمة الضمائر الغائبة التي تهتك أعراض الأطفال بلا خوف من ملك الأرض والسماء، أين تذهب الشياطين بعقول هؤلاء حين يختطفون طفلاً أو طفلة؟ ألا تعبر صرخات الأطفال واستغاثتهم إلى مسامع هؤلاء؟ ألا يستشعر هؤلاء مرارة المعصية؟ ألا ثمر على خواطرهم نسمات التوبة؟ كان الفقر صاحب سفيان، وكان المجتمع الجائر أيضاً رفيق سفيان، وكانت الحكومة النائمة في أحضان السياسة عصا البؤس التي جعلت هذا الطفل يتسلق الأفنية ليحصل على شيء من (الحُمر ـ التمر هندي) ليبيعه بثمن بخس يعتاش بثمنه حتى يأتي عليه يوم بائس جديد.
سفيان اليوم طائر جميل تحمله أغصان الجنان إلى حيث يشاء، وأما نحن كمجتمع فيعلم الله وحده ما ينتظرنا بعد أن وصلنا إلى درجة كتمان الشهادة وقول الزور والتستر على المجرمين الفارين من وجه العدالة إلى وجه القبيلة أو الحزب، هنيئاً لسفيان جنات الرحمن، وليرحم الله هذا المجتمع الذي نسأل الله أن لا تحل عليه قارعة من السماء لشدة الظلم التي أضحت سمة في وجوه الناس، الصالحين منهم وغير الصالحين! نحن من قتل سفيان، نعم نحن من قتله ونحن من نقتل أطفال اليمن كل يوم، فلو أن المجورة قائمة والعطف على اليتيم موجود ما اضطر هذا الطفل للخروج ومخالطة الناس بحثاُ عن ما يسد الرمق، لو أننا تكاتفنا ما احتجنا إلى دار أيتام، ولو أننا تراحمنا ما احتجنا غلى دور إيواء، ولو أننا أطعنا والدينا ولم نعقهما وأحسنا البر بهما ما احتجنا إلى دار عجزة.. نحن المجرمون الكبار.. نعم، نحن المجرمون.
ألطاف الأهدل
نحن من قتل سفيان 1925