في ظل الوضع المأزوم- سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وربما ثقافياً- ينبري البعض إلى مضاعفة ذلك التأزم عن طريق معالجة الخطأ ربما بخطأ أفدح منه، بينما ينحو البعض الآخر منحى خطر يتمثل في التأليب ضد أي من طرفي التأزيم دون النظر إلى حجم الكارثة والتداعيات التي قد تفاقم المشكلة، وتقود الوطن إلى دوامة عنف لا يحمد عقباها.. بيد أننا لم نجد من يطرح هذا التأزيم ويخضعه للدراسة الموضوعية من قبل مفكري الأمة على تباين توجهاتهم السياسية والمذهبية الذين يجب عليهم أن يتوافقوا على دراسة الظاهرة بكل ترد وإخلاص لله ثم الوطن، ويكونوا منصفين في تشخيص الحالة، ووصف العلاج الناجح، من أجل أن نخطو مسافات شاسعة نحو الغد والمستقبل الوضاء المشرق.
فما أرعبني هو إقدام تنظيم (أنصار الله) المعروف بجماعة الحوثي في صعدة على محاصرة دماج في بداية الأمر ثم الاعتداء عليهم بالسلاح الثقيل لإبادتهم عن بكرة أبيهم لتبقى صعدة للحوثي جنة خالصة، لا تكدر نقاء جوها أهل السنة على سبيل التطهير المذهبي، وفرض الأحادية المذهبية ليس على محافظة صعدة وحدها، وإنما على جميع محافظات الجمهورية اليمنية، طالما وأن هناك من يشجع على مثل هكذا حماقات، يظهر ذلك بجلاء في تصريحات القائم بأعمال السفارة أو السفير الأمريكي الذي يقول بإن: "أنصار الله ليسوا بالقاعدة وأنهم أفضل من القاعدة، وعليهم الانخراط بتنظيم سياسي أو في البقاء كمليشيا"، وذلك عقب الاعتداء السافر على دماج بأنواع الأسلحة الثقيلة المتطورة التي لا يمكن أن تمتلكها إلا دولة، بينما يعدون الشعب المصري الأعزل إرهابياً، فما هذه المفارقات العجيبة؟!، وما هذا الكيل بمكيالين؟!.
إن ثمة من ينفخ في كير العدوان، ويسعى إلى تأزيم الوضع، ويلوح بالحلول العسكرية، وانفجار الوضع، واعتلاء صوت الحرب الأهلية المدمرة- لا قدر الله سبحانه وتعالى- علماً بأنها لن تخدم أحداً من طرفي النزاع، بل ستخدم الإمبريالية والصهيونية العالمية، هذا فضلاً عن أن الطرف الآخر من السلفيين لا يمتلك العتاد العسكري الموجود لدى الحوثي، غير أنه يبدي مقاومة غير مسبوقة ويكبد الحوثي خسائر فادحة في الأنفس والعتاد، كما أنهم ( أي السلفيين) تمكنوا من تطويق الحوثي سياسياً، حيث كسبوا الجولة السياسية المحلية، ومعظم المكونات السياسية، وأغلب شرائح وفئات الشعب اليمني العظمي يقف في خندق واحد مع السلفيين الذين رغم إمكاناتهم العسكرية المتواضعة إلا أنهم ألجموا (الحوثي)، ولقنًوه درساً لن ينساه أبداً، وستكون هذه الضربة المدوية له إيذاناً صارخاً بانتكاسة شديدة للحوثي وانحساراً شعبياً سيكون ملحوظاً.
وفي أثناء هذه العجالة ثمة سؤال وجيه يطرح نفسه بقوة وهو! للتعايش.. هل من سبيل؟!، وسط تلك التموجات والتباينات السياسية والمذهبية، علماً بأن شعبنا اليمني العظيم رزح لسنوات طوال في بلدٍ تتجاذبه تباين المذاهب، فقد كان هنالك مذهبان.. المذهب الزيدي والمذهب الشافعي، ولكل من المذهبين تقاليد خاصة بل اجتهادات خاصة، فحينما كان يأتي الشافعي بعض المناطق المسيطر عليها المذهب الزيدي، وفي الصلاة الجهرية مثلاً حيث كان الشافعي يؤمن بعد الإمام وكان يضم في الصلاة، ولكن لا أحد ينكر عليه ذلكإعمالاً للتعايش السلمي الآمن بين المذاهب، وكون التباين والاختلاف تدور رحاه حول الفرعيات والثانوي من الدين، بينما يبدي المذهبان التزاماً أكيداً بالأصول، وما اتفق عليه جمهور العلماء، فالمذهب الزيدي قريب إلى السنة، والزيود يصلون الجمعة والعيد ويحضرون الجماعة على عكس الشيعة الأثنى عشرية التي تغالي في الالتزام بالترهات، وتفرط في عدم التمسك بالأصول، كمقاطعتهم لصلاة الجمعة والعيد، وهذا ما يتبناه (أنصار الله) أو جماعة الحوثي فهم لا يمثلون الزيود، فبدر الدين الحوثي زيدي جارودي تتطابق وجهات نظره مع الشيعة الأثنى عشرية.. المهم نقول ما الذي حدث؟!، فقد كان المذهب الشافعي والمذهب الزيدي متعايشتين واليوم يراد تصوير عكس ذلك في أن اتباع المذهب الشافعي يناصبون أتباع المذهب الزيدي العداء، وهذا باطل فالشافعية والزيود كليهما يبدي التزاماً عميقاً بالتمسك بمبدأ التعايش السلمي الآمن بين المذهبين، وأن ما يحدث في صعدة هو اعتداء غادر وآثم على أهل السنة والجماعة اقترفته الشيعة الإثنى عشرية، ولا دخل للزيود في ذلك، ولا جمل سواءً من قريب أم من بعيد، فأهل السنة والجماعة والشافعية متعايشون إلى اللحظة مع الزيود تعايشاً سلمياً آمناً يقوم على احترام الحرمات والحقوق، والالتزام بالواجبات.
بيد أننا ومن خلال هذا المنبر الحر الشامخ ندعو المكونات السياسية والحزبية في البلاد، ومختلف الفعاليات الثقافية والفكرية والسياسية، ومجلس النواب، ومؤتمر الحوار الوطني، والرئيس الانتقالي الأخ/ عبدربه منصور هادي، وحكومة الوفاق الوطني إلى وقف نزيف الجرح الدامي في دماج، ومعاقبة المعتدين الظالمين ومن قاموا بإشعال فتيل الفتنة والحرب، مع ضرورة دراسة الظاهرة دراسة عميقة ومستفيضة، وبحث إمكانات التعايش السلمي الآمن بين الحوثيين وأهل السنة والجماعة في صعدة بعد أن تخضع محافظة صعدة للحكم المركزي في صنعاء على أن يقدم تنظيم (أنصار الله) أو جماعة الحوثي ضمانات لاستمرار ذلك الإخضاع من خلال تسليم ما بحوزته من أسلحة حديثة ومتطورة ثقيلة للدولة، ويفرجوا عن المعتقلين والرهائن، ويغلقوا أبواب السجون، فمثل هكذا ضمانات نستطيع أن نحكم على الشيعة الإثني عشرية في صعدة أنها تقدم تنازلات من أجل التعايش السلمي الآمن، وفي أن لها رعية (أي جماعة الحوثي) في التوجه الجاد إلى العمل السياسي والحزبي المنظم في دولة الحداثة والتمدن، وترك السلاح وتنظيم المليشيا باعتبار أن ذلك يصادم روح التوجهات الشعبية والجماهيرية في الحياة الهادئة البعيدة عن المنغصات والمكدرات والقلاقل والاضطرابات، فنعم أن للتعايش السلمي الآمن من سبيل ما التزمت جماعة الحوثي الإثنى عشرية بما ذكرناه سالفاً من ضمانات وتوجهات من أجل البناء والإعمار والتنمية الشاملة المستدامة في مختلف مجالات الحياة المتعددة والمتنوعة وإلى لقاء يتجدد بكم والله المستعان على ما يصفون والسلام.
عصام المطري
للتعايش.. هل من سبيل؟! 1191