عن دماج نتحدث من ناحية إنسانية وحقيقية وعلمية.. دَمّاج قرية تقع في وادٍ جنوب شرق مدينة صعدة بشمال اليمن، وهي تابعة إدارياً لمديرية الصفراء من محافظة صعدة باليمن، وتأتي شهرة هذه البلدة بوجود مركز دار الحديث الذي أسسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي احد مشايخ السلفية باليمن رحمه الله وفي تلك الأيام كان نظيراً له مجد الدين المؤيدي زعيم الزيدية في اليمن ثم بعد أن أسس الشيخ مقبل بن هادي الوادعي مركزه دار الحديث رحل إليه الناس من كل حدب وصوب، فصار الوافدون لطلب العلم في دماج يضاهون السكان الأصليين (أهل وادعة) في العدد، وهناك فئة من طلبة العلم هاجرت إلى دماج واستقرت بها وأصبح ارتباطها بموطنها الأصلي ضعيفاً جداً.. وتشير إحصائية التعداد السكاني لعام 2004م التي نشرها الجهاز المركزي للإحصاء اليمني إلى أن عدد سكان دماج 15626 نسمة وعدد المساكن 2419 مسكناً، وعدد الوافدين لطلب العلم الشرعي تقريباً حسب الإحصائية 4027 نسمة أي ما يعادل 25% من السكان، وعدد مساكن الطلبة 1058, أي ما يعادل 43% من نسبة المساكن.. وسبب الفجوة بين عدد المساكن والسكان من الطلبة أن بيوت أهل دماج واسعة كبيرة تتسع لأكثر من أسرة غالباً, بينما بيوت طلبة العلم صغيرة ضيقة لا تتسع غالباً إلا لأسرة واحدة والجميع يعرف أهل دماج مسلمون، وقد جاءهم الشيخ مقبل بن هادي الوادعي وكان قد درس في السعودية.. ثم إن الشيخ أسس مدرسة علمية في دماج أسماها دار الحديث، وقد وفد إليه الطلاب من كافة أنحاء الجمهورية ومن أنحاء العالم, فضلاً عن أبناء صعدة أنفسهم فصارت لدماج شهرة عالمية، وحالياً أكثر من نصف سكان دماج هم ممن وفد إليها لطلب العلم الشرعي ويفد إليها الطلاب من أنحاء اليمن، ومن بلدان أخرى، وقد تتلمذ وتخرج على يديها مشايخ كُثر أنشأوا مدارس في عدد من مناطق اليمن، وقد ساهموا في تطوير هذه البلدة وفي النهضة العمرانية والثقافية فيها وبكل الجوانب المتعلقة بالتطوير وفي المركز تقام في كافة الفنون الشرعية، ابتداء بأمهات الكتب وأشرفها وأعلاها: كتاب الله، حفظاً وتجويداً وتفسيراً, فيعتنون بتدريس تفسير الحافظ ابن كثير، وكذلك بتدريس مقدمات في التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرها من الكتب.. ويعتنون بتدريس الصحيحين: صحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وصحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ويدرسون غير هذين الكتابين من كتب الحديث, أما دروس العقيدة فيهتمون بها اهتماماً كبيراً ودروسها تربو على خمسة وثلاثين كتاباً من كتب العقيدة, وأكثر ما يهتمون بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب النجدي، وشرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، وغيرها من كتب أئمة المسلمين وعلمائهم إلى زماننا هذا.. وأما دروس الفقه فيهتمون كثيراً بشرح بلوغ المرام وعمدة الأحكام والدراري المضيئة للشوكاني وصفة صلاة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للعلامة الألباني, وغيرها من كتب الفقه.. يدرسون في الدار الفرائض، وأصول الفقه، ومصطلح الحديث، ويهتمون اهتماماً بالغاً باللغة العربية، فيهتمون بها نطقاً وتدريساً، فيدرسون النحو والبلاغة والصرف والعروض والقافية والإملاء والقراءة والكتابة.. ومنهج الدار التدرج في التدريس، تبدأ بتدريس الكتب الصغيرة, ثم الكبيرة وتجعل من يرتب الدروس، ومن يرشد إخوانه للدروس اللائقة بهم؛ حتى يستفيدوا من أوقاتهم ولا تضع عليهم سدى, بينما يغيب عن الدار تعليم الطلاب فنون الرماية وحمل السلاح, بل وتصنيع السلاح والمتفجرات, مما يعني أن من جاء إلى هذه الدار لا يبحث عن مشاركة في القتال بقدر ما يبحث عن ارتوائه بعقيدة أهل السنة ليبلغها لمن يعرف وقد نجح الدار نجاحات عظيمة في إيصال رسالته للعالم وليس فقط لليمنيين وخصوصاً أبناء صعدة, مما أثار تنغيص الحوثيين وانزعاجهم حينما أكدت تقارير أن مستوى الداخلين في الإسلام عن طريق الجامعة الإسلامية لا يتجاوزون 5 في المائة, بينما وصل عن طريق دماج إلى 35 في المائة ولذلك من يعرف دماج عن قرب يعي ويدرك حقيقة سلميتها واهتمامها بنشر السنة..
وحينما اطبق عليها الحوثيون حصاراً قبل عامين وقتلوا أهلها ما كان عليها إلا أن تستعد وتعلن اليوم جهاد الدفع دفع المعتدين, وهذه إشارة لمن يحاول ترويج أن طلاب دماج مسلحين واي سلاح سوى الخفيف لحماية انفسهم وأموالهم وأعراضهم ودينهم وهذه الحرب فرضت عليهم من غير إرادتهم وقد أوجعتهم ولازالت توجعهم وليسوا هم من بدأها ولكن عين الظالم تنام وعين الله لا تنام.. ليتذكر ذلك الحوثيون فلا يمر يوم دون قتل وقصف والأعظم من ذلك هو الحصار المطبق منذ نحو شهرين, فلماذا هذه الحرب على هؤلاء؟, لماذا لا يتفنن الحوثيون في كتاف وحرض وحاشد؟, لماذا يسومون دماج؟, ما هدفهم من دماج؟.. فدماج بريئة من كل فتن العصر وبسبب براءتها تحاصر ويقتل أبناؤها ليس لها في سوق السياسة الخبيثة مرتعاً, بل تعففت عن كل ذلك, فلا يظن أحد أن أهل دماج موجودون ومعهم الأجانب لإلحاق الضرر بالحوثيين والله ما كان ذلك هدفهم ويعلم ذلك الجميع لم يكن ذلك مشروعهم ولوكان كذلك لما بقي الحوثي يحرك أذياله لكانوا أكثر قوة وسلاحاً وعدداً والتغاضي عن الحوثي في دماج لا شك أنه مسطر في أنصع صفحات التاريخ ليثبت للأجيال القادمة العدو من الصديق, فدماج قلعة وحصن سيدافع عنها الرب وجنوده في الأرض, ومع هذا فإن الحق يمرض لكن لا يموت.. والسلام.
عمر أحمد عبدالله
عن حرب دماج.. لله ثم للتاريخ 1603