للانتماء دور هام وبارز للسيطرة على السلوك الفردي والجماعي, ذلكم أن الانتماء يضع المحددات الأولية للسلوك، ويؤطره بمؤطر عام، وجانب الانتماء في الحياة العربية جانب هام من جوانب الحياة المدنية، فأزمة المجتمعات العربية هي في المقام الأول أزمة انتماء، فإذا تمكنا من حل أزمة الانتماء على تباين واختلاف أنواعها وصورها وأشكالها، فإننا مباشرة سنتمكن من حل أزمة المجتمعات العربية في العصر الحديث، حيث ستنقشع الغمة، وتتهاوى القلاقل والاضطرابات الأمنية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والتربوية.. إلخ.
إن ثمة انتماءات تتجاذب الإنسان على وجه البسيطة، والانتماء الأسري والانتماء العشائري والقبلي، ومنها ما هو رئيسي كالانتماء الديني والانتماء الوطني والانتماء الإنساني (الأممي) ومنها ما هو ثانوي هام كالانتماء السياسي والحزبي والانتماء المهني (الإنتاجي) والانتماء للنوع (الجنس)، فهذا التنوع في الانتماءات التي تتجاذب الإنسان الفرد أطلقت عليها ذات مرة بدوائر الانتماء، فلدينا الدائرة الأولية ولدينا الدائرة الرئيسية ولدينا الدائرة القانونية الهامة.
إذاً أستطيع القول هنا أن الفرد بطبعه سواءً كان مثقفاً أم كان مواطناً بسيطاً عادياً نزاع إلى الارتباط الوجداني بهذه الانتماءات, بل إن الفطرة البشرية السوية تفرض على الإنسان الفرد الارتباط بهذه الانتماءات مجتمعة أو بشكل انتقائي منها، فالإنسان الفرد يرتبط وينتمي لذاته وهذا يفرض عليه سلوكاً محدداً كما ينتمي لوطنه ولدينه وينتمي لحزبه السياسي أو ينتمي لمدينة معينة أو أنه ينتمي لنوع جنسه إما الذكوري وإما الأنوثة..
فتجسيد هذه الانتماءات على أرض الواقع الملموس يأتي من بعض الأفراد طبيعياً ومن البعض الآخر منحرفاً، فهذا الانحراف في تجسيد الانتماءات هو انحراف في السلوك الفردي ومن ثم الجماعي، ويأتي الانحراف في تجسيد هذه الانتماءات على صورة تغليب انتماء على انتماء بصورة غير صحيحة للتغليب، فمثلاً رجل يجسد الانتماء لذاته، وليس فقط تجسيداً وإنما يغلب انتمائه الذاتي على انتمائه الوطني، فيقول إن له الحق في مصادرة رواتب أفراد الوحدة العسكرية الذين لا يحضرون (فرار) وأخذها له شخصياً, بيد أن الانتماء الوطني والولاء الوطني يفرض عليه غير ذلك وهو توريدها إلى الدولة، فهو حين يأخذها فهو يقوم بتغليب انتماء على انتماء بصورة خاطئة وسلبية.. أما الصورة الصحيحة للتغليب، هي أن فلاناً قاضياً وعرضت عليه قضية سرقة وتقطع لأفراد هم من أبناء عشيرته وقبيلته فهه حكم بقطع أيدي اللصوص والسرقة وغلب الانتماء الديني والشرعي التزاماً بشرع الله عز وجل وسنة رسوله على الانتماء العشائري والقبلي، وهذا تغليب بصورته الصحيحة، فالتغليب نوعان تغليب خاطئ وهو تغليب انتماء دوني على انتماء أعلى, وتغليب صحيح وهو تغليب انتماء أعلى على انتماء أدنى.
إن أزمة المجتمعات العربية هي أزمة انتماء، فالانقلاب العسكري في مصر على شرعية الرئيس المنتخب د/ محمد مرسي- حفظه الله وأبقاه- هو نوع من أنواع الاضطرابات في الانتماء يولد سلوكاً مضطرباً يصادم أعلى الانتماءات وهو الدوس على أفضل تجربة رائدة في المنطقة وقتل الأبرياء بدم بارد, لا يمكن أن يقره الانتماء إلى الوطن والانتماء إلى الدين، فالانتماء الوطني والديني يحرمان قتل النفس ويدينان تغليب الفرد للانتماء الذاتي وتغليب الانتماء السياسي والحزبي على ما عداها من الانتماءات الراشدة السوية في الانتماء الدين والانتماء الوطني، فيجب علينا إشباع حاجاتنا إلى الانتماء ولكن بالشكل الصحيح والسليم، فقائد معسكر إذا غلب انتمائه الفردي والأسري على الانتماء الديني والوطني، فإنه سوف يلتهم الاعتمادات وسيأكل حق مائة رجل.. ومن هنا كانت أزمة الانتماء هي من وراء تخلف وأزمة الواقع العربي في العديد من المجالات.
عصام المطري
أزمة الانتماء في المجتمعات العربية!! 1395