السياسة لغة: الترويض، ساس الخيل : روضه، وهي في الاصطلاح - بحسب تصوري- القدرة على سياسة أو قيادة عقل الإنسانية إلى بر الأمان، ويمكن القول: السياسة هي الطريقة التي يتم من خلالها صبغة الحياة الإنسانية بما يتناسب مع فطرة الوعي الإنساني بقصد عمارة الأرض. وعمارة الأرض تتطلب السير في اتجاهين: الأول مادي، والثاني معنوي. أما ما يتعلق بالبناء في جانبه المادي فإنه جانب /عقلي صرف/ أي يعتمد على الذكاء الفطري الذي أداته العقل الذي جبلت به الإنسانية وبه ميزت عن بقية الكائنات الحية والجامدة.
وهذا الجانب المادي ليس مطلوب فيه الرجوع إلى (النقل) بل يخضع للاجتهاد العقلي أو الذكاء الفطري وتفسره عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم في سياق تأبير النخل: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" التي استغلها العلمانيون ليخلعوها على الجانب المعنوي المتعلق بسياسة الوعي الإنساني؛ مع أن العبارة تخص أمور الحياة في جانبها المادي العقلي الصرف ؛ وأمثل له بصناعة المركبة وطريقة قيادتها؛ فهذه الصناعة والقيادة تخضع لمعادلات علمية بحتة على طريقة القوانين أو المعادلات الرياضية التي نتائجها حتمية ٥٠+٥٠= ١٠٠.
وعلى هذا فقس بقية الأشياء المتعلقة بالهندسة والفيزياء والكيمياء والأحياء ومنه علم النبات الذي يدخل تأبير النخل ضمن مجالاته … الخ.
أما الجانب الآخر (المعنوي) في بناء الحياة -وهو الأهم- فإن الذكاء الفطري ليس كافيا فيه وعلى قيادته ليس قادرا؛ أن لا يمكن حل المعادلات الحياتية العقلية على طريقة المعادلات الرياضية التي تعتمد الذكاء العقلي الصرف. فالإنسان الآلة -إذا جازت لنا التسمية- تُقاد من خلال عقلها؛ وإذا ما أراد أحد قيادة الإنسانية؛ فإن ذلك يتطلب منه معرفة كنه العقل الإنساني وطريقة شغله (تفكيره) وما الذي يحب وما الذي يكره وما الذي يرفع حرارته وما الذي يخفضها … الخ.
ولمعرفة ذلك يتحتم الرجوع إلى /كتلوج صانع عقل الإنسانية/ لنعرف كنه العقل وطريقة شغله وكل ما سلف سابقا ذكره؛ حتى يستطيع قيادته على الشكل المهيأ له وحتى لا يحصل توقف في مسيرة الحياة أو تصادم. وبناء على هذا التواطؤ فإن قيادة عقل الحياة تختلف عما طور قيادة الآلة؛ فإذا كان صنع هذه الأخيرة وقيادتها خاضع -كما أسلفنا - للذكاء العقلي؛ فإن الأولى لا يكفي فيها العقلي بل يقدم عليه النقلي؛ إذ هو بمثابة كتلوج صانع الآلة التي لا يمكن قيادتها قيادة صحيحة إلا بالرجوع إليه، وإذا كان ذلك كذلك؛ فإنه من باب أولى الرجوع إلى كتلوج خالق عقل الإنسانية إذا ما فكرت مجموعة من الناس تولي قيادتها؛ لأن العقل الإنساني (صنع الله الذي أتقن كل شيء). وعليه يبقى من الجنون أن نرجع إلى الكتلوج عند قيادة الآلية من صنع الإنسان ولا نرجع إلى كتلوج صانع عقل الإنسانية الخبير المنان وعدم الرجوع عين الجنون وهذا الجنون يدعيه العلمانيون خدمة بني صهيون الذين أطلقوا مقولة : "لا دين في السياسة" إذ تعني هذه المقولة قدرة قيادة عقل الإنسانية أو سياسته اعتمادا على العقل دون الرجوع إلى الكتلوج الإلهي (النقل). وتخيلوا عندما تكلف شخصا بقيادة مركبة هي على هاوية، وهو جاهل بخصائصها وكيفية عملها وكيفية سيرها إلى الأمام أو الوراء كيف ستكون الكارثة لأن قيادتها دون الرجوع إلى تعليمات السلامة حتما ستفضي إلى الندامة. إذا إن الندامة التي وصل إليها عقل الإنسانية جراء فساد الحياة يرجع سببه إلى أن من تولى قيادته جاهلون بكنهه وهذا طبيعي لأنهم يكفرون بالكتلوج الذي يشرح خصائص العقل الإنساني والكيفية أو الطريقة التي ينبغي قيادته أو سياسته أو صبغته بها وله يركنون؛ إذ سياسة عقل الإنسانية يتطلب/ عقل حكيم/ إضافة إلى عقل عليم؛ فالحاذق بعلم الحياة المتعلق بجانبها المادي يستحيل أن يكون حاذقا بالدرجة نفسها أو حتى عشرها في علم الحياة المتعلق في جانبها المعنوية؛ فالسياسة هي علم الحياة، وهذا العلم يحذق في قيادته أو سياسته عقل حكيم وهذا العقل بهذه الصفة صنعة أو دراية النقل لا ذكاء أو اجتهاد العقل بعيد عن النقل. والفارق بين العليم والحكيم أن العلم هبة العقل والحكمة هبة النقل؛ فكل حكيم ذكي وليس كل ذكي حكيم؛ وكل حكيم عاقل وليس كل عاقل حكيم؛ فالعقل منفردا أداة صانع العالم المادي والعقل مضافة إليه الحكمة صانع العالم المعنوي (سياسة الوعي).
والحكيم لا يكون حكيما إلا من خلال دراسة كتلوج صانع العقل؛ فهذا الصانع المتقن هو من يؤتي الحكمة لمن يطلبها أي مشروط بالرجوع إلى النقل؛ وإذا كان عالم العقل يتقن أو يعلم ظاهرا من الحياة الدنيا أي المتعلق بجانبها المادي؛ فإن (عالم العقل والنقل) هو من يتقن علم الحياة في جانبيه المادي والمعنوي وهذا العالم الحكيم هو الأقرب إلى النجاح في قيادة عقل الإنسانية أو سياسته لأنه عرف طريقة ذلك من خلال دراسة النقل؛ فعلم الحياة (السياسة) أقرب إلى الحكمة التي تُستقى من النقل وحده والعقل ساعة ذلك لا يكون إلا وسيلة نقل للحكمة وليس منتجا لها. لهذا فإن /العالم الحكيم/ يدرك من خلال النقل (لا الذكاء) أن عقل الإنسانية يشترط في قيادة الحياة تمكينه من /الحرية/ وهذا معطى نقلي لا عقلي؛ يد فهمه الخليفة الفاروق بحكمته لا بذكائه؛ عندما قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار". فالنقل وحده من أوصل إلى عمر هذا المعنى وليس الذكاء إذ كان عمر رضي الله عنه على النسبة نفسها من الذكاء قبل إسلامه ومع ذلك دفن ابنته وهي حية بل وهو يدفنها كانت تنفض التراب عن ناصية وجهه حتى لا يمحي بشاشتها وهو في الوقت نفسه ينفض التراب عليها ليمحي حياتها؛ أين كان ذكاء عمر لو لم تكن الحكمة التي جعلته يفهم الحياة قيم ؛ الحكمة التي عبر عن افتقادها ساعة تذكره وأد ابنته بقوله "عقول كالجبال أضلها باريها" وهو يقصد بالمشبه به الجبال حجم ما يشتمل عليه عقله من الذكاء لكن هو ذكاء يفتقر إلى الحكمة التي لا يهبها إلا الله ولا يهبها إلا لمن يطلبها (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) ومن دلالات الخير الكثير إتيانه علمي الدنيا والآخرة فالأول المادي والثاني المعنوي المتعلق بسياسة عقل البشرية وقيادتها إلى الجنة. وأخيرا أقول إنه يستحيل سياسة عقل الإنسانية ومن ثم قيادتها ثم عمارة الحياة بها إلا بالرجوع إلى النقل (الكتلوج الخاص بكنه العقل وكيفية عمله) وهذا الرجوع يأباه العلمانجيون والليبرالجيون.
وإذا كانت سياسة الإنسانية تعني القدرة على قيادة البشرية دون اصطدام؛ فإن القدرة تعني الخبرة بعقلها حتى تسهل قيادته وهذا يعني تحتم الرجوع إلى مركز القيادة (النقل) الذي يقدم في حل معادلات الحياة على العقل بما يعني أن الإسلام هو السياسة وأن السياسة المقنعة لا المكرهة هي الإسلام؛ وهذا يعني أن المسلم الذي يدعي جهل السياسة هو في المقابل يجهل حقيقة الإسلام أو يفهم تلك الحقيقة قاصرة ، ومن يسلم بمقولة الإسلام السياسي فهو يجهل دلالة السياسة ودلالة الإسلام وعندها نقول على الدنيا السلام.
د.حسن شمسان
ما الإسلام إلا السياسة.. والسياسة المقنِعة هي الإسلام ( ! ) 1273