(ما تمت السعادة لأحد وما كُمّل الخير لإنسان) بهذه العبارات أبدأ مقالي هذه المرة وبكل أسى وحزن عشناها ليلة أمس لنفارق اغلى ما تملكه العائلة من إنسان صالح على طريق الرشد يسير وعلى صراط مستقيم جاعله حكماً ودليلاً.. لقد عشناها ليلة تعطشنا فيها لروحه الطاهرة لم نعشها من قبل فكانت الفاجعة التي لا أظن أننا سنفجع كما هي فقد عشنا ليلنا ونحن نتابع حالته الصحية غير متخيلين انه سيفارق الحياة مع إدراكنا بأن لله ما اخذ وله أيضاً ما أعطى, انه الوالد والمربي والأب الفاضل أبي ووالدي /احمد عبد الله حسين العول رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..
ولنروي تفاصيل ما جرى معه رحمه الله قبل وفاته ومفارقته للحياة والأهل والأحبة وكعادته في مداومته الحثيثة واعتياده المساجد بادر الوالد رحمه الله قبيل المغرب بنصف ساعة وكعادته للوضوء والانتظار لحين أذان المغرب, ثم خرج لصلاة المغرب ثم انتظر في المسجد ليصلي العشاء ثم عاد إلى بيته تغشاه البسمة والفرحة والسرور فبادرت العائلة بتقديم العشاء له فأكل ثم انتهى وفجأة احس بوجع في رأسه فأخبر الوالدة أطال الله في عمرها بأنه يريد الحبة التي تذهب ألم الرأس فأعطته ثم انه في تلك الأثناء لم يستطع أن يتناولها إلى فيه وتوقف قليلاً حتى تم الاتصال بالأخ الأكبر عبدالله فحضر مسرعاً وأخذه فوراً إلى المستشفى الجمهوري ثم دخل العناية المركزة ونحن نتواصل ونسأل عن أخباره, مع انه لم يمرض قط كمرض هذا اليوم المفاجئ ثم إننا اندهشنا وأخذنا نسأل ونبحث ونحضر ولكنه داخل العناية المركزة ولا يسمح لنا بالدخول ومن كان فيها من دكاترة اخبرونا انه إلى 90 في المائة وفاة ولم نصدق ذلك لأنه كان بصحة جيدة ولم يمرض وكان هناك احد الأشخاص نفس حالتنا وأخبروه في اليوم السابق نفس الكلام لكنه لم يمت فتيقنا بخير ثم ذهبنا وبقي الأخ الأكبر عبدالله واثنان آخران ونحن نتصل بهم بين الفينة والأخرى..
ثم بدأنا بنومنا الساعة الواحدة ولكنه الاتصال الذي لم يرحم مشاعر احد الساعة الثانية فجراً, جاء الاتصال من الأخ الأكبر أن الدكتور اخبره بأن الوالد مات وكانت الفاجعة, ثم هرعنا إلى المستشفى جميعاً بالكفن ورأينا وجهه الذي يشع نوراً ومحبيه يعلمون ذلك جيداً, فتأثرنا تم أدخلناه للغسل فغسلناه وملأت نظري به شخصياً ثم أوصلناه إلى البيت مكفن العطر يفوح منه والمسك والعود ثم جاءه الزوار والمحبين وشاهدوه النضرة الأخيرة وظل حتى ضهر السبت الرابع عشر من الشهر التاسع للعام ألفين وثلاثة عشر ميلادية الموافق الثامن من شهر ذي القعدة الف وأربعمائة وأربعة وثلاثين هجرية, ثم صلينا عليه مع جمع غفير من الأقارب والمعاريف والجيران الذين تأثروا برحيله إلى مقبرة خزيمة ثم عدنا فكان مشهداً مؤثراً في النفس بين الجميع وليس الأبناء والأهل فحسب, بل أيضاً من عرفوه كان طيب القلب نضيف نظافة إيمانيه وبدنية وأخلاقية لا يسمح أبداً أن يعيش بجانب احد لا يصلي, كان يحترمه الجميع لأنه كان متواضعاً شديداً عند حدود الدين لا يسمح أبداً أن يتعدى أحد على المنهج لم يكن ليخالط أحداً من الحداثيين الجدد سواء شيعة أو مثقفين بفكر جديد يخالف المنهج أو غير ذلك كان يحب بصدق حزب الإصلاح وتنظيم الإخوان المسلمين ورسالتهم الفذة التي قومت وضع المسلمين وتأثر كثيراً حينما تم عزل الرئيس مرسي وغضب غضباً شديداً ولم يستطع أن يتحمل ما حصل بعد فض ميدان رابعة العدوية والنهضة وغيرها..
ثم أخيراً كان ينتظر بفارغ الصبر ضربة قوية لبشار الأسد ذلك الطاغية المجرم وتأثر حينما شاهد أنها مؤامرة من الجميع لإخماد صوت الإسلام.. لم ينسى محبيه حينما كان يسلم عليهم ويشد على أيديهم بقوه حتى إن بعضهم إذا رآه يشارطه أنا سوف أحبك في وجهك بشرط أن لا أعطيك يدي تكسرها كان مازحاً والكل يعلم انه لا يحمل في قلبه مثقال حبة من خبث أو كراهية أو حقد.
لقد تفاجأ الجميع بهذا المصاب الجلل لم يترك صلاة قط ويشهد له مسجده المجاور له ومرتادوه أيضاً لم يقطع رحماً قط ويشهد له الأقربون جميعاً كان كثير الصلاة والدعاء والاستغفار وقراءة القرءان يومياً كان مبغضاً للباطل بحق بين أبنائه أو أزواجه أو جيرانه لا يحابي أحدا ولا يعرف سوى البوح بالحق في وجه أي شخص لا يخاف ومحبيه يعلمون ذلك جيداً ونذكر له موقفاً قديماً طيباً حينما كان في قريته جبل مطحن كان يوجد احد الأشخاص خياط في محل فكان الوالد يصلي في المسجد دائماً وكان هذا الخياط يلاحظ عليه انه حينما يقوم من الركوع يعيد يديه ضماً إلى صدره فسأله لماذا تفعل ذلك فأجابه واثقاً بقوله كما يفعل الشيخ ابن باز وكان حينها على قيد الحياة رحمه الله فما كان من ذلك الخياط إلا أن نال من ابن باز بكلمات قادحه فما كان من الولد إلا أن اخذ احدى القوارير التي يشرب بها الفانتا وكانت فارغه ثم ضربه في رأسه ضربة قوية تأثر ذلك الخياط منها وهذا إنما هو من حقيقة عدم خوفه لحدود الله والتهكم على العلماء ورثة الأنبياء كان رحمه الله لا يحضر مجالس القيل والقال والاستراحات والحفلات كان بعيداً عن ذلك تماما ًقائماً لليله صائماً لنهاره ناصحاً محباً شفيقاً ولو لغير أبنائه ومحبيه كثيرون يعرفون ذلك لقد رحل والدي وأبي احمد عبدالله العول ولكنه باق في قلوب محبيه لقد ندموا عليه وبان ذلك في وجوههم فرحمة الله تغشاه..
ونحن نكتب هذه الكلمات التي ما تمنينا أن نكتبها لولا قضاء الله وقدره فقد مثل خسارة فادحة بالنسبة لنا ولكنه بنا جيلا قويا, مما يعني انه أدى رسالته على اكمل وجه ثم غادر هذه الحياة طيب النفس دونما علة تصيبه أو سوء أو مكروه ينغص عيشته لقد تعب في بدايات عمره كثيراً فقيم الله له سبعة من الرجال يكونون سندا له وخلفاء له بعد مماته يسيرون واثقين كما كان لا يحيدون عن ذلك قيد أنملة..
فرحمة الله تغشاك يا أبي يا خير مربي وخير ناصح وأمين رحمه الله رحمه الله.. نرجو منكم الدعاء له.. اللهم ارحمه وأسكنه فسيح جناتك, اللهم الحقه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم اجعل داره الفردوس الأعلى اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنان, اللهم وسع قبره مد بصره, اللهم انه عبدك الصالح تعلم باطنه كما نعلم ظاهره.. رحمة الله عليك يا أبي وجمعنا بك في الفردوس الأعلى مع نبينا والصديق وفاروق الأمة وذي النورين وأبي الحسنين وجميع الصالحين.. والسلام.
عمر أحمد عبدالله
العول رحل لكنه باق في قلوب محبيه 1576