عندما أتصفح بعض المنشورات في صفحة الفيس بك يصادفني منشورا مكتوبا في آخره مفردة "منقول" وفي وسطه عبارة "من الأشياء التي تفطر القلب أن يأتيك يمني يعيش في أرقى بلدان العالم تقدما وحضارة ... ثم تراه لا يزال حتى الساعة يطبل للمخلوع ... الخ" .
ومثلما كلام هذا اليمني -العاجز عن فلسفة حقيقة حياته - لم هو حي في هذه الحياة؟ يفطر القلب فعلا- فإن هناك عبارة في المنشور لا تفطر القلب بل تمزقه إربا؛ وهذه الكلمة أو العبارة تجعل صاحب المنشور يقع فيما وقع فيه ذلك اليمني لكنه وقوع بحسن نية؛ إذ عبارة "يعيش في أرقى البلدان تقدما وحضارة" تجعل الذي يقرأها مكتفيا بها دون ما يليها يذهب خياله أن صاحب المنشور يتحدث عن أو يقصد "تركيا" فهي -بتصوري- أحق البلدان بتلك العبارة، لكن الذي مزق مشاعر قلبي ووجداني أن المعنية بتلك العبارة كانت "أمريكا" التي اصطنعت كل المخلوعين وكل المستبدين وكل العاهرين العاملين في الإعلام ، وعلى الرغم من أن ثورات الربيع العربي أطلقت عليهم /أي الزعامات العربية المصطنعة أمريكيا -صفة "مخلوعين" فإن أمريكا أصرت عبر المبادرات أن تحصنهم وتصطلح عليهم تسمية "محصنين" فهي من منحت الحصانة للمخلوع وهي من تقتل اليمنيين والسوريين والمصريين وتغتال التونسيين حتى تغتال تطلعاتهم في وأد ثورتهم، وهي من تدعم الحوثيين في اليمن حتى يقوموا بمكافحة تنظيم القاعدة هناك؛ فالدعاية المبثوثة في الشارع الآن : أن الحوثة في الرضمة يتحاربون مع تنظيم القاعدة وستعمم هذه الشائعة على العصيمات وبقية اليمن وكل ما هو متوقع آت- نسأل الله الثبات- فالدور الذي يلعبه الحوثيون في اليمن هو الدور نفسه الذي يلعبه حزب اللات اللبناني والحرس الثوري الإيراني في سورية ؛ وهو مساعدة الأنظمة وبقاياها لكن تحت سقف أو مسمى "مكافحة الإرهاب"؛ حيث سيصبح اليمنيون إرهابيين كما صار السوريون وبات وأضحى المصريون.
كل هذا الشر -وراءه وتخطط له - ما توصف على ألسنة البعض -بحسن نية- أرقى بلدان العالم تقدما وتحضرا؛ فهل من يقوم بإفساد الحياة في العالم الإسلامي وإهلاك الحرث والنسل متقدما وراقيا !! ما زلنا ولا نزال نطلق عليه ذلك الوسام وهو يزيلنا ! لقد أصبحت في حيرة من أمري فعلا نحن في سياق يصير فيه الحليم عين الحيران عندما نصف الحمراء مسعرة النيران بالوارفة الخضراء من الجنان فعلا هو عين الجنان! أنا أعذر ذلك اليمني الذي يعيش في أمريكا حيث الحضارة المنحطة وحيث تعيش جاهلية القرن العشرين؛ لأنه يفلسف الحياة ويقيمها على مساحة الدولار وكم معك من الريال.. إنه يرى الحياة - لا كما يراها القرآن - بل بعين ضاحي خرفان – أبراجا عالية وعلى طريقة بلد هذا الأخير؛ الإمارات الهاوية ؛ التي عجزت أن ترتقي متعالية بالقيم -كتركيا- فتباهت بالعمران وبناء الجدران، لتبني ناطحات السحاب؛ فصارت في صورة الذي يناطح السماء بقرونه وتركت وراء ظهرها قيم العلم وفنونه !.. يا معشر السادة الرقي والتقدم والسيادة عنونه القيم فما شأن الإمارات وأمريكا بذلك الرقي وما شأن بقية الرمم ! فالعلو والرقي والتقدم على طريقة القرآن بالإيمان (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) فشرط العلو الإيمان والعلو ماذا يكون إن لم يكن رقيا وتقدما ! والإيمان ماذا يكون إن لم يكن قيماً! إذا لم نقسِ التقدم والرقي بالقيم وإذا لم يكن هذا القياس فصل الكلام فعلى الدنيا السلام وهذا ما حصل ويحصل في عالمنا أيها السادة الكرام حيث صارت أمريكا القاتلة دولة مثالية فاضلة!
د.حسن شمسان
أمريكا القاتلة .. الدولة المثالية الفاضلة 1240