لفت انقلاب العبيد -من الدرجة الخامسة- في مصر عبيد الدرجة نفسها في اليمن بقصد تقليده، ومحاولة ذلك ليس غريبا؛ فالجميع يتبرأ منهم الغباء وينعدم فيهم الدهاء؛ فالغباء والدهاء يضلان سمتان أو ميزتان في الذي يستعمل عقله فقط، وهؤلاء قد باعوا إنسانيتهم فصاروا عبيدا وأصبحت وسيلة التعامل معهم الريموت كنترول؛ لهذا نشتم رائحة التآمر ومحاولة الانقلاب على النصف الحي في شرعية المبادرة عبر التحركات وتبادل الزيارات المشبوهة بين الانقلابين المصريين وبين الرئيس اليمني المخلوع من جهة وتصريحات ضاحي خرفان وخطة الإبادة الخميسة من جهة ثانية وكذلك ما نلحظه عبر صفحات الفيس بك من جهة ثالثة إذ نلاحظ ثمة من يدعو إلى الانقلاب ذاته الذي حصل في مصر على الشرعية الثورية والتي أفرزتها ستة اقتراعات انتخابية نزيهة:
تمثلت في الاقتراع على التعديل الدستوري الذي حظي به المد الثوري والذي ترتب عليه إفراز ثوري ثانٍ تمثل في انتخاب مجلس الشعب ثم انتخاب الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور ومن ثم صياغة الدستور ثم انتخاب المؤسسة الرئاسية كل هذا كان إفرازا ثوريا شعبيا عبر صناديق ديمقراطية شفافة ونزيهة، وهو في الوقت نفسه شهادة نجاح وفوز للمد الثوري الإسلامي؛ فقد شهد له ذلك الحصاد الانتخابي النزيه بالذكاء والدهاء السياسي؛ فلم يجنح للعنف أو التزوير أو استعمال الترهيب والترغيب، إذ لم يتوفر له أسباب ذلك والدليل الانقلاب العسكري والشرطي والقضائي والإعلامي؛ حتى وإن توفر له كل ذلك فإنه لن يصنع ذلك فليس هذا من مبادئ النظيف وذلك النجاح والدهاء الذي حظي به الاسلاميون، كان يقابله فشل وغباء ذريع التصق بالعلمانيين أو الليبراليين حيث لفضهم الشعب ستة مرات، مما أثار حفيظة وحنق سيدتهم أمريكا -التي ظلت تتغنى بالديمقراطية عقودا طوالا لكن في حيز مساحتها ومحيط مصالحها؛ ولما أفرزت الديمقراطية ضد مصالحها كفرت بها في ليلة وضحاها مبدلة مفهومها من ديمقراطية الصناديق الانتخابية إلى هرج ومرج الشوارعية وديباجة تزوير التصوير عبر المروحية بعد ما فشلوا بتزوير الصناديق الانتخابية.
ولما ألجأ العبيد الإخوان للجمهرة والنزول في الشوارع؛ لجأت البيادة إلى الإقصاء الجسدي واستعمال الإرهاب ضدهم بشتى أنواعه من شيطنة إعلامية إلى تصفية جسدية.
مما سبق تبين لنا أنه كان يوجد بالفعل في مصر شرعية ثورية تم الانقلاب عليها؛ والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك شرعية ثورية في اليمن حتى يتحدث عبيد أمريكا وسدنتها عن ضرورة إسقاط انقلاب مصر على اليمن وتكرار السيناريو التآمري المخطط بعقول غربية والممول بأيدي خليجية والمنفذ بأذناب العبودية ؟
والاجابة بكل بساطة أنه لا يوجد أي شرعية ثورية في اليمن على شاكلة مصر؛ فقد ضل برلمان المتآمرين أو عبيدهم كما كان عليه قبل الثورة؛ إذ ضل يحكم بشرعية الأغلبية ولم يخضع حتى لآلية المبادرة التآمرية التي تلزم الجميع بالتوافق اي أن البرلمان ضل خادما لسياسة التآمر حتى بعد الاتفاق على التوافق.
والمؤسستان /الرئاسية والحكومية/ لم تحظيا بشرعية ثورية بل بشرعية مبادراتية توافقية لا تمثل طموحات وآمال الثورة بل مثلت طاحونات وآلام المبادرة التي كنا نسمع لها وما زلنا جعجعة ولا نرى طحينا والتي لا تصب إلا في صالح الرعاة الذين أنتجوا من خلال المبادرة شرعية /نصف حية/ لا تبني بل تتصارع وتهدم!
فحقيقة المبادرة هو انقلاب أو التفاف على الثورة في اليمن لا يختلف عن مراحل الاتفاق على الثورة في مصر، غير أن الشعب اليمني شارك كله في الانقلاب لا بعضه كما حدث في مصر؛ أي أنه انقلاب استعملت فيه ديمقراطية مشروطة على طريقة انتخب من تمليه عليك آليات المبادرة وليس من توجبه عليك طموحات أو مفردات الثورة. والشرعية -النصف حية أو النصف ميتة - إنما تخدم أولويات الأعداء لأن أي شرعية بهذا الشكل إنما تُفضي إلى الصراع وليس إلى البناء.
وبناء على ما سبق فإن المد الثوري في اليمن -الذي يتصدر زمامه الإسلاميون - هو الأولى والأقوى والأقدر على الانقلاب والوصول إلى السلطة من التيار اللبرالي؛ وذلك التفوق للإسلاميين وقدرتهم على إحداث الانقلاب لصالح وطنهم؛ تحتمه عدة أمور أو ما يمكننا أن نصطلح عليها بمسلمات من أهمها:-
مسلمة السقوط السياسي أو ما يمكن الإطلاق عليه الكفر السياسي الذي تحول فيه اللبراليون عبدة الديمقراطية إلى لبرالجيون كافرين بها، فقد أسقط الانقلاب المصري سيء السمعة والصيت أمريكا سقوطا مخزيا جعلها تعيش لحظات تخبط ومسخرة منقطعة النظير، حيث فقدت وعبيدها من اللبرالجيين، حيث اكتسب مفهوم الديمقراطية دلالة أخرى لا تعد تمت إلى الصناديق الانتخابية بأي صلة أو شرعية بل صارت الشرعية للشوارعية والهرج والمرج وإفساد البلد ووالد وما ولد لأن حسب هذه المفاهيم للديمقراطية يتحول الخطاب ويحصل فيه انقلاب إذ يصبح الوطني إرهابي والسلمي مسلح والإرادة الشعبية تختزل في صورة البيادة العسكرية وشلة الشوارعية من البلطجية. - مسلمة السقوط الأخلاقي الإنساني؛ وهذا ترتب عليه السقوط السياسي التي قلبت فيه مفاهيم الديمقراطية السلمية رأسا على عقب حتى أصبحت الديمقراطية في صورة منظمة إرهابية؛ لأنها جعلت الديمقراطي في صورة الارهابي الذي يجب عزله أو إقصاءه ليس من الحكم بل من الحياة برمتها فكان ما كان من سقوط أخلاقي مدوٍ ومنقطع النظير والمثيل في التاريخ المعاصر؛ إذ لم يحدث أن قام جيش بقصف معارضيه السلميين عبر الطائرات الحربية الأباتشي! - مسلمة اختلال توازن أو موازين القوى لصالح المد الثوري في اليمن خاصة فيما يتعلق بانقسام الجيش بين مؤيد للثورة ومناهض لها وهذا لم يحصل في مصر إذا ما استثنينا ذلك السيناريو المخرُج والمدبر بليل والذي حدث عبره أول انقلاب بتصوري على ثورة ٢٥ يناير؛ إذ تم تسليم السلطة من قائد عسكري إلى آخر مثله في الولاء والعبودية للخارج فسلم حسني للطنطاوي، وظلت عقيدة الجيش المصري -تحديدا قادته - هي العقيدة التبعية للمصالح الأمريكية الاسرائيلية وهو ما لم يتوفر للعبيد والاتباع في اليمن حيث حظي المد الثوري بنصف الجيش وهو يمثل القوة في جانبها المادي البحت، أضف إلى ذلك حظوة بأغلبية الشعب اليمني وهذا الأخير يمثل الجانب المعنوي للقوة؛ لأن ارادة الشعوب باختصار من إرادة الله وهذه نقطة انتصار ثانية.
ولما كان المد الثوري حريص على تفكيك قوى التآمر في جانبها المادي أصر على آلية هيكلة الجيش؛ نظرا لأن موازين القوى قد صب في ملعبه، لكن هذه الهيكلة قد فرغت من مضمونها؛ حيث سارت -فيما يبدو لي - على الطريقة المصرية التي يُعزل فيها الطنطاوي شريطة أن يقوم مقامه أو مكانه السيسي؛ فضل خدم المتآمرين في اليمن يمسكون أو يتمسكون بالقبضة الأمنية؛ خاصة وأن جانب التفوق بالقوة المادية أو الأسلحة النوعية يصب في صالح العبيد؛ إذ لا شيء يميز أحمد علي القائد السابق للحرس الجمهوري عن أحمد إيراني أو خليجي أو أمريكي؛ صحيح أن القائد في الهيكلة لم يعد ينتمي نسبا إلى آل صالح بيد أنه ظل ينتسب إليه أو إلى أسياده ولاء؛ فكانت هيكلة أقرب إلى المد التآمري وأبعد من المد الثوري؛ بيد أنه ما تنبغي الإشارة إليه هنا؛ أن هذه الهيكلة على طريقة الطنطاوي والسيسي لم تفض ولن تفضي إلى تفوق المد التآمري بحيث يستطيع هذا المد الانقلاب على الشرعية /نصف حية/ ليميتها بالكلية، بل إن التفوق يضل لصالح المد الثوري أو الإسلاميين – على وجه التحديد- لأن هذا المد يمتلك الجانب الأهم في توازن القوى وهو /القوة المعنوية/ مهما كانت ضاءلت القوة المادية أو الأسلحة النوعية التي يمتلكها؛ فالمد الذي يتمتع بالألق الشعبي الجماهيري هو فقط الذي يأوي إلى ركن شديد وهذا ما تعلمناه من ثورات الربيع العربي إذ كشفت لنا أن أفتك قوة هي الشعوب.
أضف إلى ما سبق ما هو أهم منه وهو الحق؛ فالرجال تكون قوية بالحق الذي تحمله، وليس الحق هو الذي يقوى بالرجال، وهذا ما لا يدركه أو يحسب له المتآمرون ودليل تفوق القوة المعنوية على المادية قوله تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) فالفئة القليلة تمتلك البأس الشديد وهو يمثل الجانب المعنوي الأقدر والأقوى على الفتك في جانبي القوة المادي والمعنوي؛ لهذا لما كانت اليمن في عهد الملكة بلقيس تتسم أو تتميز بالحكم البرلماني وُصفت بالقوة والبأس الشديد معاً؛ اي بالقوة المادية والمعنوية؛ وهتان القوتان لا تتسنيان أو تنتجان إلا من قوة أمنية واقتصادية كبيرة في المقابل؛ لهذا قص لنا القرآن الكريم من أن اليمنيين كانوا يتمتعون بالقوة والبأس الشديد (نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد) أي جاهزون للقتال والحفاظ على الوطن إن اقتضى السياق الحرب أو اضطررنا إليه، فالذي يمتلك القوتين معا يمتلك النصر ويكون حليفه دائما. كل هذا يجعلني أقول أن الوصول إلى السلطة عبر الانقلاب أقرب إلى الإسلاميين اليمنيين من حبل الوريد وأبعد إلى العبيد، وبالتالي السير بسرعة باتجاه اليمن الجديد؛ يمن تغيب فيه قيود المبادرة ومكر المؤامرة.
لكن النظيف لا يسلك إلا طريق النظافة للوصول إلى الغاية؛ فالغاية عند المد الثوري الوطني الذي يتمتع بالنظافة والشفافية لا تبرر الوسيلة، بل تهذبها؛ لهذا يحرص الاسلاميون في اليمن ان يستمروا في طريق السلمية مع قدرته على الوصول بالانقلاب؛ فأرجوا ألا يجبروا عليه ويجدون أنفسهم مكرهين في سياق تخطف فيه الديمقراطية والشرعية؛ وإنه لو حدث محاولة ذلك؛ فإن العبيد سوف يقدمون للأحرار أرضية يسترد من خلالها الاحرار الشرعية الثورية؛ فما عليهم إلا أن يحاولوا الالتفاف على الانتخابات بقصد عرقلتها أو الركون إلى البندقية وهذا قد يكون متوقعا؛ فالذي أجبر الديمقراطية في مصر وقبلها في حماس وقبلا في الجزائر على ارتداء بزة الإرهاب ليقرع طبول الحرب لقتل الإرهابيين الذين أفرزتهم المنظمة الإرهابية بعد ارتدائها أو صبغتها بصبغة الإرهاب والتي تنقلب فيها لغة الخطاب فيصير الوطني خائن والخائن وطني ومن لا يملك السلاح إرهابياً ومن يقتل بالسلاح مكافحاً للإرهاب لقد أصبح هذا المفهوم المنقلب والمتقلب عند اللبراليين هو فصل الخطاب وتبدلت مفاهيم الخطأ والصواب ليصبح في مثل هذا سياق تعريف الإرهابي: هو الذي يحب وطنه ولن يبقى له ساعة ذلك من خيراته إلا كفنه!
د.حسن شمسان
ماذا لو اضطُرّ الإسلاميون إلى الانقلاب (!) 1263