من المسلمات أن أميركا لا تطمئن إلا لمخلصيها وليس في مصر -حسب قراءتي للمشهد هناك- أشد إخلاصاً من البرادعي، قد يتساءل متسرع: وماذا عن إخلاص قيادات الجيش فليس هناك أصدق من إخلاصهم وقد شهد على هذا الإخلاص تعاقب ثلاثة عساكر تولوا حكم مصر وقد لقوا من إسرائيل كل الترحيب والإشادة ابتداء بجمال وتوسطا بالسادات وانتهاء باللا مبارك ومروراً بانقلاب السيسي؟, فلم غُض الطرف عن إخلاص قيادات الجيش المجربين المجرمين وذهبت فجأة إلى البرادعي؟.
تساءل وجيه بيد أن الإجابة عليه سهلة وميسرة, حيث أن البرادعي لا ينتمي للعسكر ومطلب الثورة المصرية بالإجماع رئيساً مدنياً.. هذا ما يتعلق بالإجابة على جانب من التساؤل ليس له علاقة بالولاء لأمريكا, بل بمطلب الشعب وهو رحيل العسكر من الحياة السياسية المصرية..
أما ما يتعلق باختبار الولاء والإخلاص؛ فإن قيادة الجيش قد تم شراء ولاءاتهم والذي يقبل البيع ليس ثمة صعوبة في ترويضه واستعباده ومن ثم التخلي عنه في أي وقت واستبداله ببائع آخر، فذهب جمال وجاء السادات وذهب السادات فجيء بمبارك وذهب مبارك فجيء بالطنطاوي فالسيسي فهلم جر؛ لكن ما يتعلق بالبرادعي فقد صنعته أمريكا على عينها فأتمت غزله ونسجه ومن الصعوبة بمكان أن تجعله يستمر في طريق الهلاك المؤكد (الانقلاب)، فأميركا تدرك يقيناً أن مصير الانقلاب الفشل ونهاية الانقلابين وخيمة؛ لهذا حرصت على أن يكون للبرادعي دورا مؤقتا ينتهي بالتوبة والإنابة.
إذاً أمريكا استغلت البرادعي وشعبيته بداية في إدارة عملية الانقلاب؛ حيث كان الدينامو المحرك له داخليا وإقليميا ودوليا ولولا وجوده وسط الانقلابين لما حصل للانقلاب ذلك الزخم وتلك الاستجابة الجماهيرية, وإن لم تكن بالحجم الذي بالغ فيه الليبرالجيون, ولعل تلك الشعبية التي حظيت بها شخصية البرادعي الذي مثل فرعون الانقلاب ترجع إلى شهرته العالمية وأيضا إلى انسحابه وعدم ترشحه للرئاسة ليظهر للشعب العاطفي في صورة الزاهد عن المسؤوليات؛ إذ بدى للشعب أنه لا يرغب بتولي مسؤوليات بقدر رغبته بنجاح مسار التحول في مصر؛ أضف إلى أنه كان ينتقد النظام السابق نقداً لاذعاً.. أضف أن الإخوان تقدموا بمرشح للرئاسة وقد كانوا صرحوا بخلاف ذلك؛ كل هذا وغيره زاد من شعبية البرادعي على حساب تقلص شعبية الإخوان لكن إلى درجة ليست بالمؤثرة لولا المؤامرة.
كل ذلك هيأ البرادعي ليكون حجر زاوية في سيناريو الانقلاب الذي بدأ التخطيط له من اللحظة التي تولى فيها الدكتور مرسي الرئاسة بل قد يكون حصل من قبل لحظة التولي؛ فهناك لحظة توقع مدروسة ومخطط لها، إذا فوجود البرادعي كعضو بارز ولامع وماقت -حسب تصريحاته- للنظام السابق ساعد كثيراً في نجاح السيناريو الانقلابي الذي خططت له أمريكا ومولته دول الخليج وكان المفاعل فيه البرادعي. أما السيسي فلم يكن سوى زر يداس عليه وقت اللزوم أي لم يكن عضوا بارزا في السيناريو بل كان أداة تنفيذية ساعة الصفر ويد حامية وفي الوقت نفسه قمعية بعد الانقلاب ، كل هذا هيأ للعاطفة أن تراه فرعون الانقلاب مع أنه كان أحد جنود فرعون الانقلاب الذي لم يلتفت له على الرغم من ضآلة الدور الذي لعبه السيسي بالحسابات البعدية؛ إذ كان بالإمكان أن يلعبه أي قائد آخر في الجيش؛ ومع كل ذلك فإن كل السخط الشعبي كان يشير إليه بالبنان ؛ فكانت شعارات أنصار الشرعية في كل ميادين مصر تسلط عليه وحده ليصبح السيسي فعلا أسطورة الانقلاب الأول؛ فهو قاتل النساء والأطفال، ومنتهك حرمات المساجد وقاتل وحارق الركع السجود.. الخ.
وهذا يعني أن السيناريو ماضٍ في طريق النجاح كما خطط له، حيث غض الطرف عن /المفاعل النووي/ أو فرعون الانقلاب الأول الذي جهز كل أدوات التفجير وحشد الجماهير وإخراج المسيرات والمظاهرات ضد الشرعية؛ بمعنى أن سيناريو الانقلاب نجح بدرجة كبيرة عندما جعل أنصار الشرعية يختزلون الانقلاب في شخصية السيسي أحد جنود فرعون الانقلاب، والذي كان دوره فاعلا في عزل الشرعية وإنجاح الانقلاب -ولو بشكل مؤقت- لم ينله شيء من الحنق الشعبي الجماهيري المؤيد للشرعية.
وساعة تزايد السخط الشعبي وتراجع الانقلاب مقابل انتصار أنصار الشرعية ترتكب مجزرة بشرية بتوقيع السيسي وقد كتبت في السيناريو إقالته فتقوم مبادرة ترعاها أمريكا بإقالة عدو المصريين الشرعيين السيسي أو نفيه أو محاكمته وحبسه على غرار اللا مبارك وهذه قد تحسب (الخطوة للوراء) من لدن الانقلابيين الذي يروج لها بعض الموالين للانقلاب على استحياء، وساعتها سيتم مطالبة الشرعية أيضا بتراجع (خطوة للوراء) كما تراجع الانقلاب بعزل السيسي ومحاكمته ومحمد إبراهيم؛ والخطوة المطلوبة من الشرعية التراجع عنها هي الموفقة على انتخاب رئيس توافقي وعدم الإصرار على رجوع الدكتور مرسي، على غرار السيناريو الذي حصل في اليمن والذي عُدّ رائدا وناجحاً بامتياز من وجهة نظر المتآمرين, لأنه حقق لهم المطلوب بقليل تكاليف وجهود ووفر لهم السمعة الأخلاقية التي سقطت في كل من سوريا ومصر.
وعندما توافق الشرعية على تراجع خطوة للوراء بقبول انتخاب رئيس توافقي لمصر والتنازل عن الرئيس الشرعي أو مرسي يأخذ الانقلاب صورة أقل قبحا؛ أي تجمل فيه صورة الانقلاب العسكري إلى انقلاب شعبي مكره عليه الشعب المصري (لا بطل) مثلما أكره الشعب اليمني على انتخاب هادي الذي تحول من هادي الثورة إلى حادي المبادرة أو المؤامرة.. والانتخاب التوافقي ساعتها سيكون انقلابا شعبيا؛ لأنه انتخب رئيساً بإجماع شعبي من ناحية ومن ناحية أخرى أنه إجماع إكراه وإجبار ليس فيه إقناع أو اختياري. وكل ما حصل من قتل وسفك للدماء في أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة، وما هو متوقع حصوله أيضاً يوم ٣٠ أغسطس يوم (الثورة الكبرى) لن يكون إلا مزيداً من الإجبار لأنصار الشرعية على التراجع حتى لا يحصل مزيداً من القتل.
والسؤال: من الرئيس التوافقي الذي مطلوب -حسب السيناريو المعد سلفاً- الإجماع عليه والذي تحبذه أمريكا من ناحية, والذي سيكون من ناحية ثانية بمثابة غصة على أنصار الشرعية غير أنه سيحظى بتأييد شعبي؟, وما الأحداث المتوقعة في (الثورة الكبرى)؟.
أما عن الرئيس التوافقي فمعلوم من الديمقراطية على الطريقة الغربية أنه البرادعي أما المتوقع في يوم ٣٠ أغسطس هو مزايد من الدماء والضحايا ومزيد من التخريب وقتل المسيحيين -بتوقيع الإخوان المسلمين- و مزيد من الاعتقالات وقد تضاف أيضاً اغتيالات لبعض الشخصيات في جبهة الإنقاذ كل هذا من أجل الضغط أكثر فأكثر على الإسلاميين في قبول تراجع الخطوة من جهة وقبولهم بشخصية الرئيس الذي سيفرضه السيناريو من جهة أخرى؛ وأظن أن هناك جموعا عاطفية من الشعب سوف تنسجم مع شخصية البرادعي الجديدة التائبة وسريعاً ما سينسى أولئك العاطفيون البرادعي الشيطان الذي كان في الأمس فرعون الانقلاب واليوم صار التائب الأواب.
وما زاد من توبته وتقربه من بعض العاطفيين السذج قيام إعلام السيسي العاهر بشيطنته حتى أنه -حسب السيناريو الانقلابي- يتهم بالخيانة العظمى وتقرر القبض عليه بالتهمة نفسها لكن بعد مغادرته مصر -حسب سيناريو ما بعد الانقلاب؛ فالبرادعي لا يحتمل أو يتحمل أن يؤدي دور السجين مثلما احتمله أو تحمله اللا مبارك والسيسي العسكريان..
فالبرادعي عاش عيشة مدنية لم يألف فيها قساوة العسكرية. فتخطى السيناريو حبسه ومحاكمته عندما صدر الأمر بالقبض عليه بتهمة الخيانة بعد مغادرته مصر ليخرج منها البرادعي تائباً بعدما دخلها منقلباً.. وحتى تغض الأنظار عما سيحدث في مصر يوم ٣٠ أغسطس لا بد من لفت أنظار العالم عنه إلى بلد عربي آخر لتصبح دماء المسلمين حقل تجارب تدار على سفكها سيناريوهات التآمر الغربي؛ فكأننا أمام أفلام الأكشن الأمريكية وأبطالها دماء إسلامية حقيقية.
فإن إعطاء الضوء الأخضر الأمريكي لبشار المجوسي باستعمال الكيماوي وحصد أكثر من ١٥٠٠ شخصا فيهم أطفال في ساعة من نهار عقب التوقيت الذي أعلنت فيه الشرعية عن قيام ثورتها الكبرى؛؛ يضع ألف علامة استفهام فما حدث في سوريا كفيل في حرف أنظار العالم عن أحداث مصر التي كان العالم قد تجاهل ما يحدث من جرائم في سوريا بشار ليصبح انقلاب الجندي السيسي قضيته الرئيسية والإعلامية.
إذاً قتل أطفال ورجال في سوريا من خلال استعمال الكيماوي كفيل بجذب الأنظار إلى سوريا, ثم قيام أميركا وفرنسا بتدخل عسكري بعد أن أصبحت الأولى شبه متأكدة والثانية هددت بالتدخل العسكري ساعة ثبوت ذلك حينها سيكون ضرب أهداف وهمية للنظام السوري غير مؤذية للنظام أضف أليه ما سوف يقع من قصف للجيش الحر بالخطأ..
والتدخل العسكري هو أشبه بتدخل جراحي لصالح النظام الشبه ميت وهذا التدخل الجراحي من شأنه أن يجعل النظام يستمر عبر الحوار والمبادرات لأنه ساعتها ستفرض أمريكا شروطها؛ إذ سيحسب انتصار الثوار لصالح تدخلها العسكري من ناحية ويحصل لفت الأنظار عما سيحصل في مصر من مجازر من ناحية ثانية وهي الأهم، وتحضير الوطنيين المصريين والسوريين للقبول بأنصاف الحلول من ناحية ثالثة.. فأنصاف الحلول عبر المبادرة تخدم المتآمر فقط وتوقف تقدم الثورة؛ فاستنساخ تجربة اليمن في كل من مصر وسوريا وتونس وليبيا يحرف طموحات الثورات إلى طموحات رعاة المبادرات ففي سياق الحوارات يحصل توقف لمسيرة التنمية وتجوع الشعوب, فيصير رجوع زعامات ما قبل الثورات للشعوب أمنية.
د.حسن شمسان
فرعون الانقلاب.. قد يصبح رئيساً لمصر! 1316