إن القناعة هي ثمرة للمنهج الذي تسير عليه الجماعة أو الأمة.. إن القناعة هي انعكاس للأهداف والمناهج والخطط والوسائل، وهذه كلها تغرس المفاهيم والقيم والتي تتحول بالممارسات عادات ثم إلى قناعات، والقناعان هي المحرك للسلوك والمفجر للمواقف والقدرات سلباً أو إيجاباً, تدميراً أو بناءً، وإن لم يكن لدى الأفراد المفاهيم والقيم الصحيحة والقناعات السليمة والإرادة الدافعة, لن يكونوا متحركين ومضحين ولن يكونوا صالحين في بيئتهم ومجتمعهم، ولن يتحركوا قيد أنملة في اتجاه التغير الخاص أو العام وسيكونون عالة على الآخرين, إن لم يتحولوا إلى عطالة مفسدة، بل سيتوقفون أمام عقبات ونوائب, إن لم تكن لديهم القناعة والقوة الدافعة التي تضعف وتهون من شأن تلك العقبات والصعاب وتبعث فيهم طاقة هائلة للاستمرار قدماً لتحقيق غايتهم..
وهنا نسأل: ما هي أهم الدوافع لتحريك القيم؟.. لاشك أن أهمها هي الصلة الروحية بالله سبحانه، والتي يجب أن تكون واضحة جلية، وليست مبهمة حتى يدرك الإنسان إلى أين تسير به الحياة وإلى أين المصير، وقد جمع الأستاذ/ أحمد فائز أروع ما كتب سيد قطب رحمه الله في كتاب سماه "اليوم الآخر في ظلال القران", لأن المعتقدات إذا اقتنع بها الأفراد فعندها تؤثر هذه المعتقدات في قيمهم ونظرتهم وتصورهم عن الكون والحياة والإنسان، بل تؤثر في مهاراتهم وسلوكياتهم، ومن ثم ينعكس ذلك في بيئتهم، وهنا نحن بأمس الحاجة إلى مناهج وتعليم وتفهيم وتوعية الشباب بالجواب على سؤال هو: لماذا الشباب هم في حاجة لأن يقوموا بالتغيير والإصلاح والنهضة لأمتهم؟.. وهذا يتطلب من القائمين على التعليم والتربية في الجماعات، ووزارات التربية والتعليم أن يعملوا على تقوية مراكز الفاعلية عند الشباب، وعلى رأسها القلوب والعقول التي تحتاج إلى إمداد علمي وتربوي لتصح بها وتنمو، وإعداد أغذية علمية صحيحة وسليمة من الغش التراثي أو الغش الوافد، وذلك من أجل تقويتها ولتسمو بها، فإذا لم ننتبه للأغذية, أو أن الأغذية فاسدة بفكر التطرف والإرهاب أو بفكر الانحلال والإلحاد- وهنا تغرس بذور معتقدات الإرهاب أو الإلحاد- أو طرأ عليها نقص؛ فلا محالة ستمرض العقول والقلوب وهذا ما هو حاصل عند بعض الشباب, إما التفلت أو التطرف، وإذا استمر المرض فلا ننتظر إلا ضموراً عقلياً فكرياً أسوأ من ضمور الأبدان المسلولة، وسنجد عجزاً روحياً أنكى من عجز الحواس المشلولة، ولهذا نجد أن بعض أبناءنا لديهم غبش في بوصلة الانتماء، والسبب نمط من الانتماء يصرفه عن الهدف والغاية الكبرى، إن هذا النمط يخلق ولاء متعصباً لفكرة الجماعة أو المذهب أو السلالة الذي يتبعه وأحياناً إلى شخص يرمز إلى التيار أو الحزب, ويغيب الإسلام العالمي والوطن معاً عند هؤلاء وعندها تتحول الانتماءات الفكرية إلى صنم بتعبده الناس، وينسون معه منهج الدعوة الأصيل.. وهنا على قادة التغير وأصحاب الدعوة إلى الإسلام أن يستقيموا على نهج رسول الله، ويتحروا هذا النهج العالمي, فالخطر الذي يجب أن نتقيه هو خطر الانحراف عن النهج النبوي وإغفال فقه الدين والتدين والواقع.
محمد سيف عبدالله
القناعة...!! 1504