ظلت الشعوب العربية نائمة تحت سياسة الأمر الواقع وفلسفة اللا فائدة وحكمة "امشي جنب الحيط" و "تقرص العافية" و "خليك في حالك", إلى أن بدأ الغليان وقامت ثورات الربيع العربي من بعد يأس كبير وظلم أكبر.. لقد اتفق الحكام العرب على سياسة واحدة وعملوا باستراتيجية واحدة أيضاً, فنجحوا إلى حد كبير في تعزيز الحالة المرضية التي عاشتها شعوبهم وقد اعتمدت الاستراتيجية على نقاط عملية هي نفسها إلى أشار إليها العالم نعوم تشومسكي, حيث فند استراتيجية السيطرة على الشعوب عبر الإعلام في عشر نقاط يمكننا أن نقف عند كل نقطة وننظر من خلالها إلى أوضاعنا العربية, فعن نقطة الهاء الشعب وجعله منشغلاً بتوافه الأمور وصرفه عن القضايا الهامة التي تعنيه وهذا ما يؤكد انشغال الشعب في اللا شيء سوى الكلام في السياسة دون المشاركة في القرار السياسي, ونقطة أخرى هي ابتكار المشاكل وتقديم الحلول, فإغراق الشعوب في المشاكل وخلقها بشكل لا يدع مجالاً حتى للتفكير فيها بعمق.. والدليل مشاكل الإثنيات العرقية والأقليات والظواهر الاجتماعية والسياسية غير السوية أو المزعجة, كلها من صنائع الحكام المستبدين..
النقطة الثالثة الهوة المعرفية بين النخبة والعامة, فالمعارف لدى العامة ليست هي نفس المعارف لدى النخبة لوجود الفارق الطبقي والحصول على المعلومات ليس متاحاً بنفس القدر.. وعن النقطة الرابعة يقول تشومسكي إن مخاطبة الشعب تتم وكأنهم مجموعة أطفال صغار.. فالطفل يرضى بكل شيء ويلتهي بكل شيء وربما يعاقب بعنف إذا رفض السكوت ويؤخذ عادة على قدر تفكيره وهذا هو حال الخطاب الإعلامي السياسي الذي يخاطب الشعب وكأنهم مجموعة أطفال ويعمد إلى إلهائهم, ويقدم معارف للعامة ليست بالضرورة أن تكون هي نفسها التي يقدمها للنخبة, كما أن الإعلام العربي, وهذا ليس اتهاماً له, إعلام يبتكر المشاكل ويعززها, ثم يقدم الحلول.
وفي النقطة الخامسة من استراتيجية السيطرة على الشعوب تعويض التمرد بالإحساس بالذنب وكأنه غير متاح أن يعبر الآخر عما يرفضه وعما يخالف معتقداته وآرائه.. ومن خلال الضغط المجتمعي يشعر المرء أو المجموعة المتمردة أنها أذنبت وأخطأت..
وفي النقطة السادسة يقول: يشجع الشعب على استحسان الرداءة في كل شيء حتى تكون أمراً عادياً وهذا باب من أبواب الفساد المسيطر في كل المجالات..
وفي السابعة يقول تشومسكي: إبقاء الشعب في حالة جهل وحماقة, ففي الزمن الذي انتهى العالم الأول من الأمية مازالت الدول العربية تعتبرها, أي الأمية, عائقاً من عوائق التنمية ومن الحماقات وصف المواطن العربي لنفسه بأنه أقل وأدنى ولا مكانة له..
وفي الثامنة هناك استراتيجية المؤجل, أي تأجيل الأمور وترحيلها إلى الأمام وإبقاء الشعب في حالة ترقب دائم لما هو مؤجل.. لدرجة أن مشاريع التنمية هي الأخرى تخضع لهذه الاستراتيجية القاتلة كمشاريع الخدمات الأساسية والبنية التحتية التي يوضع حجر أساسها كل عام.. وتؤجل..
وفي النقطة التاسعة وهي استشارة العاطفة بدلاً عن الفكر والفرصة أمامهم مواتية, فنحن شعوب عاطفية تبكي على الأفلام الهندي؟.
وأخيراً استراتيجية التدرج في منح كل شيء, أو التدرج في إنجاز كل الأشياء, كالحقوق التي تعطى "بالقطارة" أو الأجور التي ترفع بآلية السلحفاة..
هذه الاستراتيجية التي وضعها العالم نعوم تشومسكي هي نقاط كيفية السيطرة على الشعوب وقد اتبعها قديماً الاستعمار مع الشعوب الغلبانة وبعد التحرر الوطني جاءت الحكومات الوطنية بنفس الاستراتيجيات وخلقت شعوباً مستكينة لقدرها ولما تقدره هذه الحكومات من ظلم وتجهيل والهاء وتأجيل وغيره.. أملنا أن تنتبه الشعوب لما يحاك ضدها من مؤامرات للسيطرة عليها وأن تستيقظ من نومها هذه الأرتال البشرية وتعمل من أجل الغد.
