أصبح عمل المرأة ضرورة في مجتمع تتزايد ثغراته المعيشية كل يوم وتتوسع رقعته الاقتصادية كل لحظة، مع وجود هوة طاحنة بين أسواق العرض والطلب الوظيفية، لكن ذلك لا ينبغي أن يؤثر على المهام الأساسية للمرأة والتي من شأنها الإبقاء على حالة التوازن الأسري بشكل خاص والمجتمعي بشكل عام.. ومن الملحوظ أن المرأة تستطيع التوفيق بين مهامها الوظيفية والأسرية بشكل كبير، إلا أن تعدد وسائل وأدوات التشويش والانحراف استطاع في السنوات الأخيرة من عمر المجتمعات الإنسانية تحويل مسار العملية التربوية إلى أيادٍ حديدية لا تعي ولا تنطق، فأصبح التلفزيون معلماً والكمبيوتر مربياً معتمداً والأجهزة الذكية في مجال الاتصال والتواصل مشرفاً على نشوء تلك العلاقة غير المتوازنة بين أفراد الأسرة الصغار والكبار، بينما تنشغل الأم العاملة بأداء مهامها على خير وجه معتقدة أن لا خوف على أطفالها ولا هم يحزنون.
ومن الملاحظ أيضاً ذلك التغيير الكبير الذي صبغ سلوكيات المرأة وتوجهاتها بلون مادي غريب أصبحت بعده غير قادرة على وزن علاقاتها الاجتماعية إلا بميزان ربحي وهذا قد يُعزي إلى الظروف الاقتصادية السائدة بالغة الصعوبة والتي لم تفرق بين صغير وكبير، غني أو فقير، اللهم إلا في مستوى الكسب والادخار الذي يميز الكبار عن الصغار والفروق الاستهلاكية التي تجعل الطبقية أمراً مفروضاً ومفروغاً منه.
عمل المرأة اليوم يسد رمق الطموح الوظيفي لديها، لكنه بالمقابل يفقدها الكثير مما يجب أن تحرص على بقائه في مكانه وعلى حالته، فقد شجع عملها على تنظيم النسل، لكنه لم يكن منصفاً في تحسين النوع وكلنا يعلم ذلك الشعور الذي يتملك أبناء المربين والموظفين الذين لا يحصلون على رعاية كاملة ومراقبة مستمرة واحتضان أبوي دافئ وما يعطيه هؤلاء خارج منازلهم يفوق عطاءهم داخلها والأمر لا يتوقف عند حد الطاقة المبذولة خارج المنزل والمردود المادي ضئيل الفائدة له، بل إن متعة التربية والتوجيه تتراجع إلى أقصى درجاتها كنتيجة لبروز أولويات شكلية تتعلق غالباً بحقوق فردية طبيعية متغاضية عن حق المجموع الأسري الذي يجب أن يحصل على معادلة عاطفية متوازنة.
فإلى كل امرأة عاملة خارج منزلها وعاطلة داخله، مبدعة في مجال العمل وغير قادرة على الابتكار لإسعاد أفراد أسرتها، إلى كل امرأة تركض بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق ذاتها وفرض تفوقها وإبراز قدراتها والحصول على استقلال فكري ومادي معقول أو فوق المعقول، أقول: لا تنجرفي على سطح السيل الوظيفي، ولا تظني أن طوفان المادة سيغرق صحراء احتياجاتك المعيشية، ولا تصدقي أن هذا المشوار الطويل الذي ستمضين فيه وحيدة هو ما سيسند وجودك في الحياة كامرأة، الوظيفة لا تشبه الرجل والرجل لا يشبه الوظيفة وكلاهما ضدان إن كان في أحدهما مُر فلا بد أن يكون للحلو نصيب في الآخر، لكن أحدهما يختلف عن الآخر في المكان والزمان وحجم الأخذ والعطاء، الرجل والأسرة قد تعطيانك معنى في الوقت الذي تسلبك فيه الوظيفة معان كثيرة، ومن هنا أصبح من العدل في حق نفسك أن توازني كفي الداخل والخارج قبل فوات الأوان، اجعلي لذلك العش نصيباً من وقتك وقلبك ولا تجعلي مقامك الوظيفي ينسيك مقالك الأنثوي.
محاسن الحواتي
بيتك.. بيتك يا حضرة الست المديرة! 1460