لدينا ما يكفينا من السلبية والذوات الخاملة والإحساس السلبي الكفيل بأن يجعلنا خلف العالم المتحضر.. عوضاً حتى أن يكون لدينا أدنى تفهم لمشاكلنا المتناثرة حولنا.. فإحساسنا الدائم بالانبهار بما صنعه الغرب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي, أفرز لدينا رغبتين, رغبة التشبع بالقهر والتشاؤم الذي أنتج مزيداً من القعود والوجود الهش، فثرواتنا موجودة ولا نستطيع جعلها في متناول أيدينا, عوضا عن أن نجعلها في متناول الغير الذي لا ينتظر منا لا برداً ولا سلاماً.. ورغبة استدراك تأخر في جميع المجالات جعلنا نقبل على شتى المجالات دون أهداف وإدراك لما نريده بالفعل.. فصرنا ضحية لإنتاج الغير ومخططاته.. وهذا ينبئ أن جهازنا المفاهيمي والقيمي لما يكتمل بعد.. وبالأصح لما يتكون.. ويمكنك إدراك ذلك في أداء الأشخاص والهيئات والمؤسسات التي نملكها ونرتادها يومياً.. الفقر واللا فاعلية الخلط بين الأهداف والوسائل.. وغياب المعايير.. فقيمة الفكرة لها مساحة محدودة.. فالحالة الفكرية التي نعيشها لا تقيم علاقات بين النشاطات والجهود والوسائل من جهة ونتائجها من جهة أخرى.. لدينا عجز في الأفكار الذي ينتج في المجال النفسي عجزاً في (الرقابة الذاتية)وعجزا في المنطق العلمي.. وقس بذلك الحالة التي عليها الأفكار، فمالك بن نبي هنا له كلام جميل لهذا الحال, فهو يقول:" حاولوا في أي نقاش أن توجهوا موضوع النقاش حول الأفكار ستجدون في محيطكم ثلاثة أصناف من الناس: الذين يلزمون الصمت تأدباً، والذين يتهكمون ملقين فيما بينهم بنظرات ذكية وكأنهم يقولون من ورائها يا للمخرف، وصنف ثالث وهم أكثر الناس خلوص نية، يتثاءبون من السآمة ثم ينصرفون عنكم إلى الاهتمام بالأشياء الأكثر جدية(كالشوال)".
فأعتقد أن قيمة أي مجتمع بما يملك من(أفكار), فالمجتمع الذي لا ينتج أفكاره يرزح في التخلف والمشكلات.. فأول أسس التجدد والشهود الحضاري هو التفكير العلمي وإنتاج الأفكار وبدونها لا يمكن لأي مجتمع أن يقف على قدميه.. ففي وضعنا ندرك حجم هذا الإشكال حينما ترى حجم الوجود الهش للعالم الإسلامي المبتعد عن صناعة عملياته الاجتماعية التي تحقق وجوده وذاته وحضوره في عالم الوقع.. فنحن موجودون ولكن لسنا حاضرين, فمقتضى الحضور أن تستطيع التغيير في سير الإحداث وأن تجنب الوقوع في المحظور.. فرسالة المسلم في عالم الواقع هي تبديل مجرى الأحداث باتجاه الخير والصلاح.. يوضحها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" هذا الحديث مقتضى رسالة المسلم في عالم الواقع ويدل دلالة واضحة على أن المسلم يجب أن يكون مؤثراً وليس متأثراً.
أحمد الضحياني
ضعف رأسمالنا المفاهيمي 1615