إن كان هناك ثمة خرق في سياق العلاقات اليمنية الخليجية في السابق, فهي جزء من خرق أصاب العلاقات العربية مع بعضها البعض وعلاقة مشتركة مفادها شك وريبة ويمكن أن تمثل العلاقات اليمنية الخليجية حالة استثنائية بحكم الارتباط الجغرافي القريب وإذا كان هناك من تدهور في سياق العلاقات فهي نتاج لنظام صالح الذي كبر على حساب الدولة اليمنية المؤجلة, فتصرفاته وعلاقاته الدبلوماسية وان كانت متمثلة بصيغة حكومية لكنها خرجت عن خدمة مصالح الشعب.. وكان من الطبيعي أن مصلحة الدولة العليا لا تحتل مكاناً في أجندة حكم (صالح)فهو دائماً ينتصر ليهزم اليمن ويربح ليخسر الشعب ..وان كان هناك من سر في تأخر العلاقات اليمنية الخليجية فهو أن صالح كان يتعامل بصفة شخصية وحسابات مادية على حساب مصلحة اليمن.. وهنا تمثلت الإشكالية أن دول الخليج أصيبت بحيرة جراء تعامل صالح بصفة شخصية وليس من طرف الدولة.
لكن مع اشتعال الثورة الشعبية السلمية تزايد الاهتمام الخليجي باليمن.. مما دفعها لصياغة المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية لنقل السلطة في اليمن.. وهو ما اعتبره البعض بحسن نية حرص دول الخليج وخاصة السعودية على إنقاذ اليمن من الانهيار.. في حين اعتبره آخرون إنقاذاً لصالح من الفعل الثوري خاصة بعد مراوغة الأخير في التوقيع لولا صدور قرار مجلس الأمن رقم 2014الذي الزم صالح بنقل السلطة.. وبدون مناقشة وجهات النظر حول المبادرة الخليجية, يمكن القول أنها عكست حجم الاهتمام الخليجي باليمن.. فهل يعكس نجاح المبادرة الخليجية تحولات جديدة في العلاقات اليمنية الخليجية؟ وهل سيفك لغز الانضمام المؤجل لليمن إلى مجلس التعاون الخليجي؟.
في هذه الورقة سأحاول قراءة مستقبل العلاقات اليمنية الخليجية بعد سقوط نظام صالح وعلى ضوء التحولات التي شهدتها اليمن من منظر واقعي.. يتوقف تطور العلاقات اليمنية الخليجية في المرحلة القادمة كنظام جديد على مطلبين بالنسبة لليمن: أولاً قدرة الدولة المتمثلة بالحكومة على تبني مبادئ الحكم الرشيد فكراً وممارسة بما في ذلك مكافحة الفساد وقدرة الحكومة في إيجاد مؤسسات فاعلة ورفع مستوى التأهيل الإداري والفني لموظفيها.. ثانياً إيجاد بيئة أمنة قابلة للنشاط الاقتصادي والسياسي وخالية من تنظيم القاعدة.. ونجاح مؤتمر الحوار الوطني.
فرغم دخول اليمن في بعض هيئات مجلس التعاون الخليجي, إلا أن هناك كثيراً من التساؤلات والأطروحات تحمل النظام في اليمن المسؤولية خاصة في الجوانب الاقتصادية وعدم قدرة الحكومة استيعاب أموال المانحين في 2006والتي كانت دول الخليج المتكفلة بثلثيها.. وحتى تتطور العلاقات اليمنية الخليجية بغية مصلحة الوطن لابد أن تقوم الحكومة القادمة على مبادئ الحكم الرشيد فكراً وممارسة لكافة مؤسسات الدولة ابتداء من اعتماد ديمقراطية حقيقية في نظام المشاركة في إدارة الدولة من كافة فئات المجتمع.. وتعتمد على أساس المحاسبة لأي حكومة واحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان وعدم قابلية هذه الحقوق للتجزئة أو الانتقاص واحترام سيادة القانون وتعزيز استقلالية القضاء وإدارة أموال الدولة بطريقة شفافة وسليمة تخضع للرقابة والمحاسبة والمسائلة وان تقوم إدارتها مؤسسات حكومية تستطيع التعامل مع قضايا إدارة أموال الدول ومواردها بكل احتراف ومهنية عالية وتضع مصلحة المجتمع وأفراده في أولى غاياتها.. ولعل ارتباط مفهوم الحكم الرشيد بالتنمية لن يتعزز ما لم يكن هناك علاقة بين الحكم الراشد والتنمية فالدولة القادمة يجب أن تعمل على تشجيع الاستثمار وبالأخص استثمار في الموارد البشرية والقضاء على الفقر والبطالة.. فأعتقد أن مثل هذه المبادئ وغيرها ستترك أثراً إيجابياً في شؤون حياة اليمنيين وخصوصا المتعلقة بالتنمية والقضاء على الفقر والبطالة تعزيز دور السلطة التشريعية والقوانين المتعلقة بالحقوق العامة.. كما ستنعكس بذلك على العلاقات اليمنية الخليجية لان الدولة الممثلة للحكومة ستكون قادرة للقيام بهذه العلاقات التي سيعود خيرها على اليمن.. من جهة أخرى إن أي تطور في النظام اللامركزي للدولة وما له من إيجابية وقبول لدى كل فئات المجتمع سيكون له اثر إيجابي على العلاقات لكلا الجارين وخاصة أن هناك تحول مشهود في مسار العلاقات ابتداء من تبني المبادرة الخليجية والجهود الرامية لإنجاحها وحجم التعهدات الممنوحة لإنقاذ اليمن من الانهيار الإنساني ودعم حكومة الوفاق سياسياً واقتصادياً.. يدل دلالة واضحة على حجم الاهتمام الخليجي باليمن ويعد تحولاً مسبوقاً.. واعتقد أن التحول الذي شكلته الثورة في كيان العملية الاجتماعية والسياسية وفي الرؤى والتوجهات كفيلة بإنتاج مجتمع ودولة معززين بالإحساس بالمسئولية ويدركان قيمة العلاقة والارتباط بالآخر وانطلاقاً من العبء الأكبر والبحث الدؤوب عن دور مشارك في صياغة أي ترتيبات قادمة في المنطقة.
فحينما نتحدث عن العلاقات اليمنية الخليجية يتبادر إلى ذهن القارئ اليمني سريعاً انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي وهذه القضية كما يقول د/ خالد الدخيل "إنها ليست الإشكال.. وإنما الإشكالية هي في الاطار الذي ينبغي أن تحقق فيه الشراكة وان تأتي داخله عملية الاندماج واعتقد حول هذه النقطة بالذات أن جوهر الإشكال كان نظام(صالح) الذي عكر صفو العلاقات وحشرها في مآربه الشخصية.. والتحول أيضاً الذي يشهده الشارع اليمني اليوم كفيل بإيجاد الاطار العام والشروط والمتطلبات لتحقيق الانضمام.. فاللغة التي استخدمها صالح في السابق كانت لغة سيئة جداً للابتزاز والتهديد ..فالذي يجعل العلاقات مستمرة وذات استدامة هو صدق التوجه للتعامل مع النظام الجديد لليمن وقطع العلاقة ببقايا النظام السابق وقطع الصلة بالماضي السياسي المبعث للصراع ومن الضروري أيضاً تفعيل دور النخب ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والهيئات المحلية في توعية الشعبين بأهمية العلاقة.
المتطلب الثاني
إن تحقيق المتطلب الثاني بإيجاد بيئة آمنة في شتى المجالات وحل كافة المشكلات الأمنية وخاصة ما يسمى بتنظيم القاعدة وعنف الحوثيون والحراك المسلح هو رهن تحقيق المتطلب الأول والمتمثل بإيجاد سلطة الدولة على كافة أجزاء الوطن..
كما أن الخبرة الصراعية لطبيعة العلاقات الإقليمية في الفترة السابقة عكست طبعها في طبيعة العلاقات المتوالية, فهناك كثير من النقاشات رأت أن أمن واستقرار اليمن يعد عنصراًً في امن واستقرار الخليج العربي, بمعنى أن امن واستقرار الخليج مرتبط بأمن واستقرار اليمن.. فاذا كان التنسيق الأمني في الفترة السابقة مقتصراً على تبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب.. فهي تعتبر من الترتيبات اللحظية التي فرضتها حالة الهيمنة الأمريكية على المنطقة.. ومواجهتها بالطريقة السابقة لن يسد الفجوات الأمنية بقدر ما ينتج إطار يتواجد فيه كل ما بشأنه يعكر الأمن والاستقرار, فحينما نناقش البعد الأمني للعلاقات اليمنية الخليجية لابد أن ننوه بأنه لا يتمحور الأمر حول جانب محدد ولكن لابد من توسيع المدركات الأمنية لتتجاوز التنسيق العسكري إلى محددات الأمن الإقليمي في الجزيرة العربية.. ذلك مرتبطاً ارتباطاً وثيق بموقع اليمن وما يمثله من أهمية استراتيجية ذات أبعاد سياسية واقتصادية وإطلالها المباشر على البحر الأحمر والبحر العربي ومضيق باب المندب.. وما سيمثله هذا الموقع في تعزيز العلاقات اليمنية الخليجية على أن يسند ذلك دعماً إقليمياً ودولياً لحكومة الوفاق لتعزز سلطتها على الأرض بعيداً عن دبلوماسية المقارنة المخلوطة بغرام النظام السابق.
وقد يرتبط تحقق الأمن والاستقرار ارتباطاً مباشراً بدعم الاقتصاد اليمني, كما أن البدء بهيكلة الجيش على أسس وطنية ، وإنهاء الانقسام في المؤسسة العسكرية، وتحريره من سلطة العائلة والأقارب ، وتعيين قيادات وطنية.. مما ينعكس على الأمن والاستقرار.. وأعتقد أن إيجاد طريقة جديدة لإعادة هيكلة الجيش يتضمنها الدستور الجديد كترتيبات مستقبلية تحد من نفوذ رئيس الدولة، أو أحد أقاربه ويمنعه التعيين في أي موقع قيادي من الجيش والأمن وأن تكون مؤسسة الجيش والأمن في مهمة الدفاع عن الوطن ولا يكون لها أي صلة في العمل المدني.
فلسفة الأمن القومي لدول الخليج العربي
يتحدث الدكتور خالد الدخيل في مشاركات سابقة.. أن مفهوم الأمن القومي لدول الخليج يختلف عن مفهوم الأمن القومي في اليمن.. والسبب الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة الخليج العربي هو اختلاف معادلات توازنات القوى في المنطقة.. والسبب في ذلك اختبار دول المجلس أن تخرج نفسها من المسؤولية عن إخراج نفسها من معادلات توازن القوى وتركها للعراق والولايات المتحدة الأمريكية ،و كما هو الأن بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول أيضاً إن دول الخليج ليست جزء من معادلة توازنات القوى وهذا لم يحدث نتيجة ضغوط خارجية أو نتيجة خطأ أو سهو.. أنما يحصل نتيجة قرار سياسي صادر عن دول المجلس, وهذا انعكس على فلسفة الأمن القومي لدول الخليج الذي لم يمانع التواجد الأجنبي كقواعد عسكرية .. ودخولها في شراك الصراع الدولي.. وإطلال إيران بما تمثله من تهديد للأمن القومي الخليجي.. والاقتصار على التعاون الأمني بين دول المجلس.. وتطوير هذا التعاون ليصبح الدفاع مشتركاً.
مفهوم الأمن القومي لليمن
إن استراتيجية الأمن القومي في اليمن في حكم صالح في الفترة السابقة فيها نقاط اتفاق وافتراق بالنسبة لدول الخليج وخاصة فيما يتعلق بالشؤون الأمنية الخارجية وقضية التواجد الأجنبي على سواحل البحر الأحمر وخليج عدن التي أخذت من ظاهرة القرصنة مبرر لوجودها وتواطؤ صالح بالسماح للطائرات الأمريكية أن تقصف أهدافاً لتنظيم القاعدة على الأراضي اليمنية.. لكن أعتقد أن التحول الذي تشهده اليمن يعكس استراتيجية جديدة للأمن القومي اليمني وعلاقته بالأمن الخليجي، وقد تكون هذه الأسس لاستراتيجية ترى أن التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة يعد تهديداً لأمن الخليج والمنطقة العربية، وتقوم الفلسفة الأمنية لليمن على رفض القواعد العسكرية الأجنبية, في الوقت نفسه ما مدى تأييد الدول الداعمة للمبادرة الخليجية في اليمن على إحداث أي تغير في فلسفة الأمن القومي لليمن ...خاصة بعد أن تسلمت أمريكا الملف ( الأمني ) في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية وأعتقد أن أي ضغوط دبلوماسية قد تمارس لإجبار اليمنيين على قبول ما لا يعبر عن ذاتيتهم وتوجهاتهم واتجاهاتهم, لن يكون له مضامين اتفاق وإن كان هناك من جزاف في القول أن المبادرة الخليجية بقدر ما كانت الحل السياسي الممكن للانتقال إلى نظام جديد في نظر البعض فان أصواتاً أخرى تعتبرها وضعت اليمن تحت الوصاية الدولية.
وأخيراً إن مناقشة مستقبل العلاقات اليمنية الخليجية في هذه المتطلبات لا يعني إغفال المتغيرات والأوضاع الاستثنائية التي تخلقها الدبلوماسية الإقليمية والدولية في الفترة الانتقالية وانعكاسها السلبي في تحقيق هذين المتطلبين.
أحمد الضحياني
ستقبل العلاقات اليمنية الخليجية 1755