ابدأ مقالي هذا اليوم في نقل تساؤل طالما أقلق معظم أبناء هذا الوطن في الداخل والخارج وهو: هل ستصمد الوحدة اليمنية امام موجة التقسيم والتفكيك العاتية التي تجتاح البلد والمنطقة العربية بطرق منظمة ومعلنة؟ نرجو غير ذلك بكل جوارحنا..
لكن لو نظرنا إلى حملة التحريض الخطيرة والمتصاعدة التي تستهدف تفتيت البلد جنوباً وشمالاً كما كان الوضع قبل الوحدة المجيدة وفك الارتباط، لرأينا أن المستقبل مكفهر وليس عندي أدنى شك ان تلك الحملة التي تقوم بها عناصر انفصالية مسعورة في الداخل والخارج ليست بأي حال من الأحوال لإحقاق الحق وإسماع مطالبهم لجميع الناس كما يدعون وانما هي جزء لا يتجزأ من استراتيجية التفكيك التي تتبناها بعض الدول الخارجية وبدأت على رؤوس الاشهاد كما فعل بالعراق ومن ثم السودان والحبل الان على الجرار.. انهم يقسمون المقسم ويجزءون المجزأ منذ عقود وعقود، فهل يعقل ان يتركوا الموحد منذ فترة قصيره كبلدنا الحبيب؟ بالطبع لا.. فاليمن يشكل مثالاً وحدوياً عربياً عظيماً مهما كانت الملاحظات على نظام الحكم السابق وطريقة تعامله مع مكونات البلاد السياسية لا بل أكبر بكثير من الحجم الذي حددته خارطة الدم الخارجية للكيانات والدويلات العربية المطلوبة. لهذا لابد من الاستعانة بطابور خامس يسهل لهم عملية تفتيت اليمن وتقطيع أوصاله كما فعل المعارضون العملاء في العراق الذين يتآمرون مع الغزات لتشطير العراق الى دويلات مذهبية وطائفية وعرقية هزيلة..
إن التحركات الحالية محاولة شريرة لتصيد أخطاء الوحدة ومصاعب ولادتها لاقتناص ذرائع للانقضاض عليها ويبدو ذلك واضحاً للعيان في الحوار الوطني وما يدعى فيه إلى فك الارتباط ورفع علم الانفصال داخل قاعة الحوار وكذلك الحرب السياسية والاعلامية التي يشنها البعض لإعادة شطر اليمن الى شطرين..
ولعل أكثر ما يثير الضحك في البيانات التي يصدرها بعض المعارضين أنهم يستهلونها بعد البسملة بالآية الكريمة ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)).. ليتهم يستخدمون هذا القول لمجاهدة أعداء الأمة، لكنهم وللمهزلة "يزبدون" ويرغبون ضد اخوانهم الذين يسمونهم غزاة العصر وهو أمر يبعث على الحزن والأسى أكثر من أي آخر.. ولا أدري لماذا لم يتعلم هؤلاء الحراكيون الذين يجاروا بضرورة التقسيم من نظرائهم في العراق التي أصبحت مثالاً للغدر والخيانة وبيع الاوطان.. ألم يري هؤلاء الحراكييون اليمنيون ما حل بالعراق وما حل بأحمد الجلي وأمثاله الذين تحالفوا مع الأجنبي لتفكيك العراق وتمزيقه إرباً إرباً وهذا ما حصل فعلاً، لكن تلك الأدوات التي ساهمت في مشروع التقسيم أصبحت منبوذة لا حول ولا قوة لها ولا يتذكرها العراقيون الا باللعنات والشتائم..
لكن ومع ذلك يبدو أن بعض أنصار الانفصال يسيرون على خطى أسلافهم العراقيين.. وهذا مؤشر ينبغي على صناع القرار في الحوار الوطني التوقف عنده ملياً.. كما ينبغي عليهم ان يتذكروا المخاطر المحدقة بالبلد بوصفه إحدى الحلقات المهمة في مشروع الفوضي الذي تعده دول أجنبية للمنطقة وان يتنبهوا لمخاطر تدخل بعض الدول الخارجية في الشؤون الداخلية لبلادهم والذي يهدف الى تعزيز النزعة الانفصالية لدى شعوب المنطقة وتفتيت الدول القائمة إلى كيانات و"كنتونات" طائفية وعرقية ومذهبية..
ويكفي اليمنيون أن يدرسوا المشهد في كل من العراق ولبنان وغيرها ليستخلصوا منها العبر لمن أراد أن يعتبر ولا تنسوا التدخلات الخارجية في السودان الذي فصل فيه الشمال والجنوب لكسر شوكة هذا لبلد العربي وتفتيته.
أما بخصوص مطالب الجنوبيين فليس هناك أدنى شك بأنهم يعانون اقتصادياً وسياسياً ويكابدون التفرقة السياسية.
وان الستين الألف عسكري وقيادي وموظف الذين أحيلوا الى التقاعد المبكر هو بلا شك رقم كبير وخطير وان الأراضي التي استقطعت ونهبت أمر غير مقبول إطلاقاً.. كما يظهر من بيانات تلك الحملة الإعلامية الرهيبة التي يقوم بها بعض الانفصاليين في الخارج المروجين لفك عرى الوحدة.. لكن هل أفك بلداً دفع أثماناً باهظة كي يجمع أشلاه المتناثرة من أجل تصحيح المظالم الاقتصادية والاجتماعية.. فلو أردنا أن نتبع نهج الانفصاليين اليمنيين لما بقيت قرية عربية على حالها ولتفككت حتى القرى إلى حاراتاً وزواريباً..
لهذا على معارضي الوحدة في الداخل والخارج أن يكفوا ولو مؤقتاً عن استغلال الظروف الاجتماعية والاقتصادية الحالية لواحدة من أفقر بلدان المنطقة والعالم من أجل ضرب وحدة البلاد وشرذمتها إلى ملل ونحل متصارعة..
فكل القوى المتحاورة اليوم مدعوة للحذر واليقظة من مخاطر التقسيم.. وكذلك مدعوة للحذر من التعاون مع الخارج في تفكيك البلد..
إن اليمن اليوم يمر بمخاض خطير وتتكالب عليه قوى خارجية وداخلية بشكل مفضوح
طبعاً لن أناشد الأشقاء العرب أن يقفوا إلى جانبه، فحسبه ان يكتفي شرهم المستطير..
عبد الوارث الراشدي
هل ستصمد الوحدة اليمنية أمام موجة التقسيم؟ 1674