;
نجيب أحمد المظفر
نجيب أحمد المظفر

نفحات تربوية في ذكري ميلاد خير البرية 2744

2013-01-22 14:42:19


 تهل علينا ذكرى مولد النبي صلي الله عليه وسلم وأمتنا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لولادة حقيقة لا لشخص النبي صلي الله عليه وسلم بل للعقيدة السمحة التي لا تقبل المساومة, كما لا تقبل الإفراط أو التفريط والتي ربى عليها النبي أصحابه فصاروا بحق أحب عباد الله إلى الله, عنهم يدافع, وعليهم يجود, ولهم يسخر نواميس هذا الكون, كما أن أمتنا بحاجة اليوم لولادة حقيقة للقيم والمبادئ الأخلاقية التي تمثلها ودعا لها وربي عليها أصحابه صلي الله عليه وسلم, حتى صاروا ملائكة يمشون على الأرض يدعون الناس إلى الله بالأفعال قبل الأقوال, فانقادت لهم النفوس طوعاً لا كرهاً, فصاروا رعاة للبشر بعد ما كانوا رعاة للغنم, فما أحوجنا اليوم ونحن نعيش زماناً وئدت فيه المبادئ واختلطت فيه القيم, فضاقت الصدور, وتأزمت النفوس, واختل فيه ميزان التعامل مع الأخر, فتزاحم عندها المسلمون على ذيل القافلة ومؤخر الركب بعدما كانوا طليعة القافلة وأول الركب, لولادة حقيقة لما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم, لنقيم حضارة الإسلام من جديد, على أُسس التسامح, والتوحد, واجتماع الكلمة, حضارة تعتمد الحب والمساواة والحوار المرتكز على الشورى أعمدة نهضتها. فإليك أخي الكريم بعضاً من النفحات المستلهمة من كلام الوحي وهدي النبوة علها أن تنفع كاتبها وقارئها وأن تكون إسهاماً في إحداث تغيير في النفوس يتسبب في تحقق سنة الله التي لا تتبدل(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
النفحة الأولي: الرحمة ولين الجناب
لما كانت رسالة النبي - محمد صلي الله عليه وسلم - رسالة عامة لا تختص بجنس دون جنس, ولا بزمانه الذي هو فيه دون غيره, ولما كانت كذلك رسالة شاملة, فلم تهتم بجانب معين من جوانب الحياة دون بقيتها, فكانت رسالة للأبيض والأسود, أخذت امتداداً زمنيا لتشمل زمان النبي صلي الله عليه وسلم وما بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, وسعت بشموليتها كل جوانب الحياة الروحية والمادية , كان لابد لها من مقومات لبقائها, هذه المقومات حدد معالمها من تكفل بحفظ هذه الرسالة الله جل في علاه, فكانت الرحمة ولين الجانب من المقومات التي بعث بها النبي صلي الله عليه وسلم قال الله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وقال(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ولما وجدت هذه النصوص نفوساً أحسنت تمثلها بدأت نهضة الإسلام تقوم في النفوس وعلى الأرض فأقبل الناس يدخلون في دين الله أفواجا لما رأوا من شهادة واضحة للأقوال بالأفعال, هذه صورة شاهدة على رحمته صلى الله عليه وسلم ليست فقط بأصحابه بل بمن أذوه وطردوه وحاصروه عن عائشة- رضي اللّه عنها- زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت. وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ اللّه قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث اللّه إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج اللّه من أصلابهم من يعبد اللّه لا يشرك به شيئا».. يا له من مشهد عظيم نقف عنده متسائلين ماذا لو اعتمدنا هذا منهج حياتي في التعامل مع الخصوم بلا شك أن النتيجة الحاسمة ستكون تحول العدو إلي محب لك قال الله (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ما أحوجنا اليوم إلي إحياء هذا الخلق في النفوس قولا وعملا لننهي به خلافاتنا ونقتلع به شجر الشر من نفوسنا, ونجمع به فرقتنا, ونوجه به اختلافات وجهات النظر بيننا.
النفحة الثانية : الصبر واحتمال الأذى والمشاق
لا بقاء لدعوة, ولا قيام لنهضة, ولا ظفر بنصر, ولا حصول لمطلوب دون صبر واحتمال أذى ومكابدة لمشقة الطريق, فمن صبر ظفر, ومن كابد مشقة السير وصل, ومن احتمل الأذى واحتسب رفع الله قدره في الدنيا قبل الآخرة, دعي القرآن إلى الاستمساك بالصبر ونبذ الاستعجال, لإ قامة شريعة الإسلام قال الله (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) كما دعي القرآن إلي الصبر لمواجهة المحن والشدائد مهما كانت قال الله(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) إن هذه المنهجية هي المنهجية السديدة التي يجب أن يسير عليها كل مسلم وهي المنهجية التي تؤسس لنجاح يدوم ونصر يثمر, تمثل هذا النبي صلي الله عليه وسلم فجنى وأصحابه ثمار صبرهم, بل كن نحن وسيكون الناس من بعدنا ممن يجني ثمار ذلك الصبر صبر صلي الله عليه وسلم في أحل الظروف وأصعب المواقف صبر في الشِعب محاصرا فأكل وأصحابه أوراق الشجر, وصبر حينما قتل سبعون من أصحابه في أحد وصبر حينما شج وجهه صلي الله عليه وسلم فبقي وبقيت دعوته من بعده, ماذا لو أن هذه المنهجية حاضرة قولا وفعلا عند من تخمرت عقولهم فتناسوا سنة التدرج وجهلوا فقه الأولويات, فاختاروا منهجية سفك الدماء زاعمين أنهم بهذه المنهجية يمكنهم نصرة الإسلام وأسلمة الحياة فجنوا على الإسلام, لاشك أن الجهود ستوجه التوجيه الأمثل لتثمر بناء وأمنا واستقرارا ومواكبة للتقدم والتطور في مختلف جوانب الحياة فتتحرر الأمة من تبعية التقدم والتطور التقني والتكنولوجي للأعداء, عندها سيكون تقديم الإسلام بهذه الصورة أبلغ تأثيرا وأسرع استجابة, ألم نكن يوما قادة الحضارة وكان الغرب عالة علينا, إذا فما المانع أن نستعيد حضارتنا ومجدنا المسلوب.
النفحة الثالثة: النفع العام
منهجية النفع العام منهجية ربانية بعث بها الأنبياء عموما ونبينا صلي الله عليه وسلم بشكل خاص, ذلك أن هذه المنهجية مقوم أساسي لبناء الحضارة, وتشييد المجد, وتحقيق الرقي, واستجلاب السعادة, والفوز بالجنة, لذا حث عليها القرآن ورسختها السنة قال الله (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) أما السنة فقد جاءت النصوص الصريحة الداعية إلى تحقيق النفع القاصر والمتعدي ورتبت على النفع المتعدي من الأجور ما لم ترتبه على النفع القاصر, عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: إنّ رجلاً جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه، أيّ النّاس أحبّ إلى اللّه تعالى؟ وأيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أحبّ النّاس إلى اللّه تعالى أنفعهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى اللّه تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد»- يعني مسجد المدينة- شهراً، «ومن كفّ غضبه ستر اللّه عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ اللّه قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتّى يتهيّأ له أثبت اللّه قدمه يوم تزول قدمه») ولقد تمثل هذا الخلق السامي الرفيع رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلا من ماله أو من جهده أو من جاهه, فهاهو ذا يعين الصحابة يوم الخندق بجهده, فيحمل معهم التراب إلى خارج الخندق, وهاهو ذا يعين بماله وجاهه وما عنده, عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه و سلم فقال لي النبي صلى الله عليه و سلم : يا ربيعة ألا تتزوج ؟ قال فقلت : لا و الله يا رسول الله ما أريد أن أتزوج ما عندي ما يقيم المرأة و ما أحب أن يشغلني عنك شيء قال : فأعرض عني قال : ثم راجعت نفسي فقلت و الله يا رسول الله أنت أعلم بما يصلحني في الدنيا و الآخرة قال : و أنا أقول في نفسي ليت قال لي الثالثة لأقولن نعم قال فقال لي الثالثة يا ربيعة ألا تتزوج ؟ قال فقلت : بلى يا رسول الله مرني بما شئت أو بما أحببت قال : انطلق إلى آل فلان إلى حي من الأنصار فيهم تراخي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرئكم السلام و يأمركم أن تزوجوا ربيعة فلانة امرأة منهم قال : فأتيتهم فقلت لهم ذلك فقالوا : مرحبا برسول الله صلى الله عليه و سلم و برسول رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله لا يرجع رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بحاجته قال : فأكرموني و زوجوني و ألطفوني و لم يسألوني البينة فرجعت حزينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما بالك ؟ فقلت : يا رسول الله أتيت قوما كراما فزوجوني و أكرموني و لم يسألوني البينة فمن أين لي الصداق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لبريدة الأسلمي : يا بريدة أجمعوا له وزن نواة من ذهب قال : فجمعوا لي وزن من ذهب قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم : اذهب بهذه إليهم و قل هذا صداقها فذهبت به إليهم فقلت هذا صداقها قال فقالوا كثير طيب فقبلوا و رضوا به قال فقلت : من أين أو لم ؟ قال فقال يا بريدة : اجمعوا له في شاة قال فجمعوا لي في كبش فطيم سمين قال : و قال النبي صلى الله عليه و سلم : اذهب إلى عائشة فقل انظري المكتل الذي فيه الطعام فابعثي به, قال فأتيت عائشة رضي الله عنها فقلت لها ذلك فقالت : ها هو ذاك المكتل فيه سبعة أصواع من شعير و و الله أن أصبح لنا طعام غيره قال فأخذته فجئت به إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : اذهب بها إليهم فقل ليصلح هذا عندكم خبز قال فذهبت به و بالكبش قال فقبلوا الطعام و قال : اكفونا أنتم الكبش قال : و جاء ناس من أسلم فذبحوا و سلخوا و طبخوا قال فأصبح عندنا خبز و لحم فأولمت و دعوت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : و أعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم أرضا و أعطى أبا بكر أرضا فاختلفنا في عذق نخلة قال : و جاءت الدنيا فقال أبو بكر : هذه في حدي فقلت لا بل هي في حدي قال فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها و ندم عليها قال فقال لي : يا ربيعة قل لي مثل ما قلت لك حتى نكون قصاصا قال فقلت : لا و الله ما أنا بقائل لك إلا خيرا قال : و الله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا ًو إلا استعديت عليك برسول الله صلى الله عليه و سلم قال فقلت : لا و الله ما أنا بقائل لك إلا خير قال : فرفض أبو بكر الأرض و أتى النبي صلى الله عليه و سلم جعلت أتلوه فقال : أناس من أسلم يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال و يستعدي عليك قال فقلت : أتدرون من هذا هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة قال : فرجعوا عني و انطلقت أتلوه حتى أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقص عليه الذي كان قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا ربيعة مالك و الصديق ؟ قال فقلت مثل ما قال كان كذا و كذا فقال لي : قل مثل ما قال لك فأبيت أن أقول له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أجل فلا تقل له مثل ما قال لك و لكن قل يغفر الله يا أبا بكر قال فولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه و هو يبكي ) يتبين من هذا أن النفع العام دين ندين الله به ما أحوجنا اليوم أن نتمثله, لنأخذ على أيدي السفهاء وناطرهم على الحق أطرا حتى يسلم الناس من شرهم ويصل الناس نفعهم ليسود مجتمعنا الخير والعطاء, وتتجسد فيه وحدة الأعضاء, والالتقاء على كلمة سواء.
النفحة الرابعة:النظام
الإسلام دين نظام يشمل بمبادئه وقيمه وأحكامه وحدوده تنظيم حياة الناس من جميع الجوانب, وكيف لا يحقق ذلك وهو الدين الذي لم تضعه عقول بشرية قاصرة لم تحط بمختلف الجوانب الحياتية للمرء في هذه الحياة الدنيا, فضلا عن الإحاطة بما بعد هذه الحياة, بل استمد هذا الدين ممن أحاط بكل شئ علما, ممن بني هذا الكون كله على النظام, الذي حدد لكل مساره, حتى لا تستشري الفوضى, ويحدث الصدام, وتتقاطع المصالح, وتسفك الدماء, وتستباح الأعراض, وتسلب الأموال, ولهذا وجبت محبة الله لمن استشعر أن النظام عبادة فسعي لتحقيقها واقعا في نفسه ومن حوله قال الله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ) وهاهو ذا نبينا صلى الله عليه وسلم يعلمنا النظام في كل أحواله وتصرفاته ففي الهجرة عمل على تنظيم من يرقد على فراشه, وتحديد وقت خروجه, وتجهيز نفسه ورفيقه, وتوزيع المهام, فالطعام على أسماء, وتبديد أثار المسير على الراعي عامر بن فهيرة, والأخبار على عبدالله بن أبي بكر, والدلالة على الطريق على عبدالله بن أريقط, أما في المدينة فرتب أعماله من أول يوم وصل فيه هناك فبدأ بالمؤخاة بين المهاجرين والأنصار, ولان المؤخاة تحتاج إلى سلوك عملي يجسدها بني المسجد الجامع للصلاة التي تجسد بالاجتماع لها والوقوف صفوفا فيها أرفع معاني الإخاء, ثم يأتي تنظيمه في غزوه ففي بدر يعتمد خطة نظامية تحقق النصر وذلك بالاستيلاء على الماء فإحكموا القبضة على العدو, وفي أحد يخصص للرماة الجبل ويأمرهم بعدم مغادرة موقعهم مهما تكن الظروف, وفي فتحه لمكة يقسم الجيش ويدخلها ليلاً بعدما أشعل الجيش النار وأخذ كل واحد جذوة فأدخل الرعب في نفوس الأعداء, من هذا يتبين أن النظام هو قوام حياة الناس, فلا قيام لحياة أمنة مستقرة بدونه, لهذا مطلوب منا اليوم أن نعلم أن النظام عبادة نتعبد الله بها, ومن ثم نسعى لإقامة هذه العبادة واقعا في النفوس, وبين الناس, فلا قيام لنهضة, ولا تجسيد لوحدة, ولا اجتماع لكلمة, ولا استعادة لمجد, ولا بناء لحاضر, أو وصول لمستقبل منشود, دون نظام, يستوي على إثره الناس حاكمهم ومحكومهم, عظيمهم وحقيرهم, وهكذا.
النفحة الخامسة:العدل
من المعالم الرئيسية التي جعلت من حضارة الإسلام على مر العصور والأزمان شامخة لا تندثر قيامها على أساس العدل, الذي مثل ويمثل صمام أمان المجتمع, فمتى ما ضيع أو غاب عن حياة المجتمعات, سادت المجتمع الفوضى, واستأسد الناس بعضهم على بعض, فأصبح القوي يأكل الضعيف والغني يسلب الفقير, وعلى إثر هذا تسود الناس شريعة الغاب, لهذا جاءت كل الشرائع السماوية لإقامة العدل, حفظا للتكريم الإلهي الذي كرم الله به هذا الإنسان عن غيره, قال الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) وعلى إثر هذا الأمر بالعدل جاء الإمتثال النبوي من النبي القدوة تعليماً وتربية لامته على العدل فها هو صلى الله عليه وسلم يعدل الصفوف يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم, فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مستنتل من الصف فطعنه رسول الله بالقدح في بطنه وقال : " استوا سواد " فقال : يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق فأقدني . فكشف رسول الله عن بطنه وقال : " استقد " . فاعتنقه وقبل بطنه وقال : " ما حملك على هذا يا سواد " فقال : يا رسول الله حضر ماترى ولم آمن القتل فإني أحب أن أكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك, فدعا له رسول الله بخير. ولقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأسامة بن زيد لما جاء يشفع لإسقاط حد السرقة عن المخزومية التي سرقت فقضى النبي بقطع يدها, أتشفع في حد من حدود الله وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها إنما أهلك من كان قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم الشريف تركوه) يا الله كم نحن اليوم بحاجة, إلى إقامة العدل, ميزاناً نزن به حقوقنا وحقوق غيرنا علينا, وينتصف من خلاله المظلوم فينا, وعلى إثر إقامته ينزع الله البأس من بيننا, فتطيب النفوس, وتلتقي الأرواح, وتتصافي النفوس, ويجتمع الشمل, ويتنزل النصر.
أخيرا هذا بعضا من النفحات التربوية التي لزم الوقوف عندها خصوصا ونحن نستقبل أو نعيش ذكري عطرة هي ذكري مولد النبي صلي الله عليه وسلم, والتي يجب أن تكون محطة نقف عندها وقفة تقييم للواقع المعاش مع ما جاءت به رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فما هو متحقق فينا حافظنا عليه, واستمسكنا به , وما لم يكن متحقق فينا خططنا وسعينا جادين من اجل إقامته وتحقيقه, ونكون بهذا أحيينا مولده صلى الله عليه وسلم.
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد