قبل الدخول في التفاصيل التي تكمن فيها زمرة من (الشياطين) نجد من المهم أن نتحرر من اللغة المعسولة، ونضع النقاط بشكل متقن على الحروف حتى نرى القبح في صورته الأصلية، وعلى الجميع أن يفهم أيضا أن الرمال التي نصر على دفن رؤوسنا بين احضانها لن تخفي الحقيقة!.
نقر بأن طرحنا هذا غير مريح، وقد يشعر اتجاهه البعض بالإحراج، ولكننا لا نجد سببا يدفعنا لغض الطرف، فالشعور بالتعسف الناجم عن السياسات المجحفة، والممارسات الخاطئة لا تمنحنا فرصة لحسن الظن، وفي أحسن الأحوال تجعلها شحيحة، وتجعل من التصعيد أمر لا مفر منه.. كما نعتقد بأن الأشياء لن تستقيم بجبر الخواطر، والضحك من فوق (السنون)، والجروح لا تلتئم بالمسكنات.. ربما أيضا يكون منفر من وجهة نظر أخرى فتجتاح أصحابها نوبة ضيق، وتتشنج ملامحهم، وهذا شأنهم، ولكن من يعتقد بأنه مخول برسم الخطوط الحمراء، وتحديد المساحة التي يتحرك فيها وعينا نعتقد أنه مدمن (هنجمة)، وعقله الباطن لا يستوعب فكرة التغيير، وننصحه بزيارة طبيب للعلاج من حالة الهلع التي يعاني منها!.
بعيدا عن ذر الرماد في العيون، وثقافة التخوين، والعاطفة الجياشة، وابتزاز الشعارات الوطنية.. نؤمن بأن مواجهة التحديات هي الوسيلة الوحيدة التجاوزها!.. أبدا لا نحتكر المثالية ولا ندعي الكمال!.. كما أننا لا نضع البيض في سلة واحدة، ونفترض أن كثيرا من أقلام السلطة الرابعة على درجة من النزاهة و الوعي لإشهار تضامنهم مع أحد زملائهم، فما حدث لشخصية الإعلامية الكبيرة محمد العولقي أمر يبعث عن الحزن و المرارة، ومن الصعب التعامل معه بحيادية، ونتصور أن ذلك سيمثل تخاذل أكثر من كونه إنصاف!.. فكل الوقائع تؤكد بأن (العنصرية) دست أنفها القذر في المكان، والروائح الكريهة مصدرها فحيح النعرات (المناطقية)، كما اجحفت في حقه المواقف، ووجد نفسه وحيدا في فخ (الدحبشه)، وبعد أن حاصرته الصراعات و المماحكات، وباءت جميع محاولاته لتجاوزها بالفشل قرر الانسحاب بشرف محتفظا بكرامته.
جاء الأخ عبدالرحمن بجاش على رأس مؤسسة "الثورة" لصحافة كثمر للفعل الثوري، وحسبنا ذلك بداية لتطهير الكيان الكبير، واستبشرنا خيرا بتعيين الإعلامي الكبير محمد العولقي رئيسا لتحرير صحيفة (الرياضة) أحد إصدارات مؤسسة الثورة، ولكن استقالته بعد سبعة أشهر من اختياره لتقلد المنصب أصابت الكثيرين بصدمة، وأسالت كثير من اللعاب، وخاصة إذا عرف السبب!.. ولنكون أكثر صراحة فقد كان البعض يتصور كرسي المنصب إرث لا ينبغي (لجنوبي) احتلاله، فلم يلقَ اختياره رضاهم، واعتقدوا أنها خطوة استفزازية تتحدى سلطتهم، وتزعزع مكانتهم، وهذه ذريعة كافية لتشن (الفلول) حربها، وفي الوقت نفسه أثار اختياره نقمة وحسد العيون (المفنجلة) التي كانت تتربص بالمنصب، وتنتظر فرصة لتنقض عليه، وحين خابت آمالهم حركوا (سلاحفهم) في جنح الظلام لضربه من تحت الحزام!.
لكي لا نكون كمن يحمل قربة مثقوب.. علينا الإدراك أن ما تعرض له (العولقي) حلقة من سلسلة (الغطرسة) قد لا تشبه سابقاتها في الشكل، ولكنها لا تختلف في الجوهر، فإذا حصرنا الأمر في ميدان الرياضة، واستثنينا سياسة القلع والجرف للكوادر والكفاءات التي مارسها النظام السابق، وحاولنا طي الصفحة سنجد من (ينبش) ذاكرتنا، فمازال هناك من يتمسك بثقافة الإقصاء، ويستعرض عضلات (بلطجته) التي كان من ضحاياها بالأمس الكابتن (النعاش) والوكيل (بهيان)، ومن قبلهم الدكتور (الشيباني)، واليوم أتى الدور على الإعلامي (العولقي)، ولا نعلم غدا على من ستحل اللعنة!.. نعم قد لا يكون سلوك جماعي، ولكن ليس من السهل أن نتعامل معها على أنها زلة عفوية، ومن يلقي بالمشكلة على عاتق سؤ الفهم حرصا على وجه الربيع، أو يرميها في سلة (التهيوات) هروبا من الموجهه، فإننا نتصور أن الأمور بعد الربيع ليس وردية مثلما كان الجميع يحلم!.
محمد العولقي.. إنسان حر معتز بنفسه.. أمثاله متشبعون بالثقة لا يبحثون عن ذاتهم في مقعد جلدي وثير، أو خلف طاولة براقة، ولكن هذا لا يعني أن نسمح (لجنوبيته) لتقف حجر عثرة أمام مسيرة طموحاته، فالمنصب استحقاق جدير به لا مجاملة تفرض تقديم تنازلات!.. وإذا دعتكم قدرتكم على بخسنا حقوقنا فلن نفتح ثقب إنما سنهد الجدار بالكامل!.. فمن شغلوا المنصب قبله عاشوا في (بحبوحته)، و(تنغنغوا) في نعيم امتيازاته، وغرفوا من حوافزه ومخصصاته ونثرياته ثم حصنوا ماضيهم، وعتموا على فسادهم!.. وحضر (العولقي) فوجد يد المؤسسة مغلولة إلى عنقها، وهناك من يسهر ليدق المسامير في نعش نجاحه، فتنازل عن مستحقاته وحوافزه، وسدد تكاليف إقامته من حر ماله، و(طفش) دون أن يستلم قرار تعيينه الذي مازال حبيس الأدراج!.. فـ(البقرة) بعد أن حلبوها تركوا له عبادتها و تقديسها!.
الكل يعلم بأنه نتيجة للأحداث التي مرت بها البلاد تعثر صدور صحيفة "الرياضة"، وبرغم "البلبة" والمناخ المشحون لم يكتفِ ببعث الروح فيها من جديد، بل اجتهد ليضع بصمته على أوراقها، وسخر إمكانياته وعلاقاته لتجد طريقها للقارئ بثوب جذاب، ومضمون ثري، وتحت إدارته تضاعفت نسب توزيعها بأرقام غير مسبوقة، ومن يتعقب نسخها الأخيرة التي بالكاد بعد غيابه ترى الشارع سيلاحظ الفارق الكبير بين المبدع والمفلس!.. وهذا سبب آخر يرفع قيمته، ويعزز جدارته، ويحث الجميع لمعالجة أسباب استقالته، وحسم أمر عودته.
استقالة المبدع محمد العولقي تضع مواقف الجميع على المحك، وتحمل رسائل كثيرة للقائمين على إدارة البلاد، والمعنيين بالشأن الإعلامي، فالمسئولية قرار لا حسابات شخصية!.. كما أنها ترمي الكرة في ملعب رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الثورة" للصحافة، والذي يعتقد كثيرون أن ردة فعله كانت متململة ومتلعثمة، ويبدو ـ حتى الآن ـ أن مجاديف إرادته تكسرت أمام امواج الفساد التي تتحكم بمصير المؤسسة، وغير قادر على اجتثاث (الفلول) الذين يراودهم الحنين إلى الماضي!.
ياسر الأعسم
استقالة العولقي.. وحنين الفلول إلى الماضي! 2207