لا يراودني أدنى شك بأن الشعب قد شب عن الطوق وأطلق لنفسه العنان في حريته وشجاعته وضرب بذلك أروع الأمثلة حتى وصل به الحال بعد 11فبراير، إلا أنه ليس باستطاعة أحد أياً كان العزف على جراحات الشعب النازفة دون عقاب ..وكذلك وصل الأمر بهذا الشعب في عهد الربيع العربي أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال بمقدور فرد أياً كان أن يستمر بخداع الشعب أو الضحك عليه بطرق بلهاء هي أقرب لتصرفات الحرباء والتي لا تسمن ولا تغني من جوع...وقد تعلم هذا الشعب علي مدار الـ33عاماً إنه لا يمكن له أن يلدغ من جحر السابق مرة أخرى بعد لدغاته السابقة.
وكحقيقة تاريخية ينبغي أن يعرفها هذا الشعب جيداً هي أن عليه أن يعرف جيداً وجوه جلاديه ومن ساموه صنوف العذاب وويلات القهر وغيبوه إجبارياً عن ممارسة حياته الطبيعية في الحرية والعيش في كرامة والتطلع إلى آفاق رحبة من الازدهار والفرح, ولا يخفى عليكم ما حدث في قضية تحضيرية الحوار الوطني من العودة الغريبة للرئيس السابق وردود أفعال المناكير الذين ما زالوا إلى جواره، فإنها تنبئ بخطر محدق بالوطن وسلمه الاجتماعي وتهدد بعودة صناعة الأزمات وإشعال الحرائق وذري الفتن وإفشال الحوار ونسف التسوية السياسية وجر البلد إلى مربع العنف ليستنزف ما تبقى من مقدراته وتهلك ما تبقى من شبابه وأبنائه للدخول في نفق مظلم جديد لن نخرج منه سالمين، فهم يريدون ديمومة الصراع المميت والتناحر الدامي الذي بدوره سيعود بوطننا القهقرى لسنين طويلة لن يتعافى منها ولكن بعدها ستذهب حكمة اليمنيين مع الذاهبين ولن نجد حينها وطننا نبنيه ولن نستطيع حينها أن نحميه ولن نجد وقتها منزلاً نأوي إليه أو شجرة نستظل تحت ظلالها الوارقة وبعدها لن نجد أحبتنا الذين سيكونون إما مفقودين أو قتلى ولن يجد أبناءنا الذين سيصبحون إما متسولين أو مشردين في أقطار الأرض.
إن ما يحاول صالح وسدنته فعله من الالتفاف على الحوار الوطني وتحضيريته أمر خطط له بعناية فائقة وانتظار اللحظة لضرب الحوار في الصميم وهو الآن بدأ يضرب فعلياً حين تم السماح لـ بن عمر والإرياني بمفاوضات صالح بشأن نسبة المؤتمر الشعبي في تحضيرية الحوار ..وهذا يعد سماحاً مطلقاً بعودة رأس النظام السابق بعد منحه الحصانة لممارسة نشاطه السياسي كرئيس للمؤتمر وكأن تلك الحصانة المشئومة ثابت مقدس في استغفال ساذج لعقول شعب بأكمله وتضحيات الجماهير في كل أقطار الوطن.
ومما لا شك فيه أن المفاوضات مع صالح في نسبة المؤتمر في تحضيرية الحوار الوطني التفاف منمق على ثورة الشعب العظيمة، لكن رغم محاولاتهم للالتفاف علي الثورة والحوار الوطني والعزوف عن هيكلة الجيش وتحقيق بقية مطالب الثورة، فهم مازالوا يصمون آذانهم وتعمى أبصارهم عن قدرة الشعب الذي اقتلع ماضيهم التعيس كما تقتلع العواصف الأشجار الميتة، فهي قادرة اليوم بالتأكيد على حماية ثورتها ومنجزاتها ولن تضع بالاً لصالح أو المهرطقين والمهرجين الذين مازالوا في جواره ممن يجيدون فن التآمر والمكر, وليعلموا جيداً أن زلزال الثورة الذي بدأ في 11فبرائر والذي ضرب بقوة ريختر قلاع الفساد وأعشاش الدبابير ومكامن الخلل لازال قادراً على اقتلاع ما تبقى ممن يشكلون خطراً داهماً على الوطن المخطوف منذ 33عاماً من الزمن.
ويبقى أمام هذه العودة سيئة الصيت على كل القوى الوطنية الحية اتخاذ المواقف والتي تتناسب مع عنفوان الثورة وتطلعاتها والعمل علي إسقاط ما تسمى بالحصانة والإسراع بمحاكمة السفاحين والقتلة أسوة بما صدر في مصر مطلع الأسبوع الماضي قبل أن يعمل المحيطون بصالح من مثال البركاني والصوفي والسامعي الحوثي على جر البلاد لأن يرتكب فيها مجازر جديدة وسفك فيها مزيداً من دمائنا.
لقد دعي للحوار والانخراط فيه وشارك فيه الساسة وغيرهم من أجل السلام والتكاتف من أجل إنجاح الحوار لا الالتفاف عليه والسعي لإفشاله ولن يصبح إلا دعوة للجرائم والانفلات الأمني وتشطير البلد.
ولقد دعي الجميع للحوار من أجل البناء والتنمية وما دونه لأن يكون إلى الدمار والخراب وبالتالي فإن الجميع مشتركون في المسؤولية الأخلاقية التي تعود إلى تعزيز أواصر المحبة والسلام وسيادة الدولة الآمنة المزدهرة.
إن على أحزاب اللقاء المشترك خاصة عهوداً ومواثيق قطعت للثورة والثوار يجب الوفاء بها وعدم السكوت على من يخرق المبادرة ويفشل الحوار ويعرقل تحقيق بقية أهداف الثورة وضرورة التصعيد من الجانبين الجانب السياسي والثوري حتى يمنع وقوع الضرر وحدوث الكارثة.
إن على صالح ومن يحوم حوله أن يعوا جيداً أن الثورة العظيمة التي يريدون الالتفاف عليها وعرقلة سير تحقيق أهدفها وخلق ثورة مضادة لها، هي الثورة التي أجبرتهم على التنحي صاغرين أذلاء ونسف مشروعهم التوريثي إلى الأبد ولا تزال هي الثورة نفسها التي تمسك في قبضتها الحبل الذي ربما سيلتف حول أعناقهم.
عبد الوارث الراشدي
صالح ..ومناوراته الأخيرة 1868