قالت السيدة التي حاولت مساعدتها في موضوع علاج زوجها وهي ككل السيدات البسيطات اللاتي لم يحالفهن الحظ في التعليم ولا بالثراء... ككل الكادحات في هذا الوطن أشارت إلى أحدهم وقالت لي:ـ أكيد هذا المدير.. قلت لها: كيف عرفتي ردت بثقة: من البدلة والكرفتة!!.. لم يكن حدسها في محله، لأن المدير لم يأت بعد من بيته رغم أن عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً.. كان علينا أن ننتظر حتى يشرف المدير العام ويكتب عبارته حسب النظام.. وهو يعلم ونحن نعلم أنه لا شيء يتم حسب النظام، بل حسب المعرفة، حسب الوساطة، حسب ما تم دفعه!..
هذه السيدة وغيرها من أبناء الشعب البسطاء وبعفوية بالغة ينادون كل من تهندم ولبس الكرفتة بـ "يا أستاذ" يا "دكتور" أو "يا مدير" احتراماً وتقديراً وهذا من طيب أخلاقهم، مع أن كثيراً من أصحاب الكرفتات ليسوا دكاترة ولا مدراء ولا أساتذة، وإن كان البعض كذلك فهم وللأسف لا يعيرون المواطن الغلبان أي اهتمام، خاصة إذا ما تقلدوا مسئوليات خدمية هامة، تجدهم أكثر تجاهلاً لمطالب المواطنين، أقل احتراماً عند التحدث إليهم، ويبدو في بعض الحالات غياب الذوق الرفيع من خلال رمي أوراق المواطنين باستهتار والرد عليهم يتعال وعنجهية.. وقد حدثت أمام عيني في أحد البنوك الوطنية.. أحد المدراء قام بهذه المسرحية الهزيلة لمواطن كبير في السن، فكان رد الأخير أن حمل عصاه وهوى بها فوق رأس المدير مرتين، كان الموقف كوميدياً ومأساوياً.. وبتلقائية بالغة شجع المواطنين الرجل المسن الذي أمطر المدير بالشتم واللعن!! وكان من الطبيعي ألا تستكمل معاملة المواطن، لأن المدير أقسم بالله أنه لن يوقع على تلك المعاملة وعلى كل معاملات المشجعين!..
مازلنا ننتظر، السيدة وأنا، لعل وعسى يأتي المدير ويوجه بتوجيه غير الذي نعلم.. مر أحدهم والناس تحديداً الموظفين يمشون بعده لو وقف وقفوا ولو ركب المصعد ركبوا معه.. ليس مهندماً بكرفتة ومع ذلك هبت السيدة وتركتني لتسأل من هو في آخر الطابور: هذا المدير يا ولدى.. رد عليها وهو يركض خلف الزحمة:ـ
لا يا والدة هذا أمين الصندوق..
رجعت وجلست بجواري بدون تعليق.. وحوار يدور داخلي.. ترى من يحاسب المسئولين المقصرين في حق هذا الشعب؟ المسألة ليست فساداً مالياً فقط، بل تسبباً إدارياً وتضييعاً لوقت الناس الذي هو وقت الشعب والبلاد على حساب الإنتاج والعمل والتقدم.. متى نصرخ ونرفض الفوضى الإدارية واللا مسئولية؟ متى يعرف المسئولون أننا نحن الذي أتينا بهم إلى كراسي السلطة، ليخدمونا لا ليتعالوا علينا، ويتحدثون إلينا بعدم اهتمام، أو ليهملوا قضايانا ويضيعوا أوقاتنا في الركض خلفهم؟؟.. نحن الذين رفعناهم كشعب ليتولوا مسئوليات كبيرة فهل جزاؤنا العكس؟ إننا شعب طيب إلى حد السذاجة.. يتقبل كل شيء، ويلتمس مليون عذر للمسئولين ويأمل بأن غداً ستنجز كثير من المعاملات والأعمال بما فيها معاملته، وهكذا دواليك حتى صرنا شعباً يعشق الورق والملفات والمعاملات!!..
مازلنا، السيدة وأنا، ننتظر المدير الذي لم يأت ولم يبلغ بعدم تمكنه من الحضور لانشغالاته الخارجية.. وسنعود غداً وإياكم نبحث عن المدير العام.
محاسن الحواتي
هذا الشعب الطيب جداً 1662