أرى البشائر تترى في نواحيها من بعد يأسٍ سرى من فعل طاغيها
وتحققت البشر؟!
كنت قد كتبت في الأسبوع الماضي عن بداية تساقط اليهود وبداية صعود العرب المسلمين حولهم ممن عاشوا ردحاً من الزمن طعمة لليهود وأتباعهم وأشياعهم.
ولما وقفت في بداية الموضوع مع العلو والنفوذ الذي وصل إليه اليهود وقد أشار إليه القرآن الكريم، فهم بعض الإخوة أني ضخمت شأن اليهود حتى ليفهم القارئ أن ليس لهم قاهر غير الله، بل واستنكر أن أشير على بعض أنبيائهم الذين جمع الله لهم بين النبوة والرسالة والملك مثل داوود وسليمان، مع أني أشرت إلى ركزت على مفهوم العلو وطبيعته في عهدهما، ولم يكن مقصوداً في القرآن الكريم، بل العلو يفهم من القرآن والتاريخ والذي قصدناه هو الذي صحبه خروج عن منهج الله، وصحبه فساد لحقه تسلط عدوهم عليهم ودمار وخراب، لم يعتبروا به ولم يتزحزحوا عن طبائعهم اللئيمة الحاقدة على البشرية عموماً وجيرانهم خصوصاً.
وعلو اليوم الذي قد تمتعوا به كثيراً، وفسدوا من خلاله وأفسدوا قد حان وعد الآخرة، وعودة الخراب والدمار عليهم وهزيمتهم النائية المتوقعة، والتي يسعون إليها هم بطغيانهم وغطرستهم وهذه مؤشرات بداية التراجع والسقوط، وبداية رجوع الرشد إلى العقل العربي، ومراجعة سير أكثر من مائة سنة لهثاً وراء السراب.
وانتقدني الأخ الفاضل أني خجلت أن أذكر المسلمين وكررت ذكر العرب وأطمئنه أني لم أذكر العرب مقابل اليهود إلا لأن اليهود القادمين من بلدان كثيرة قد حلوا في بلاد عربية واحتلوها واستحلوها وأذلوا أهلها وجميع العرب المحيطين بها ومن وراءهم، ولأن العرب ـ بفضل حكامهم ـ قد وصلوا إلى الدرك الأسفل من التخلف والتمزق والضعف وبفضل الله ثم صحوة الشعوب بدأت ترتفع.
وذكرني الأخ الكريم بفهمه هذا ما شهدته قبل أربعين عاماً من جدال فيه بعض التحدي بين داعيتين أحدهما إسلامي بالمعنى الحركي والثاني قومي بالمعنى الحركي أيضاً، فكان الإسلامي متحمساً جداً للوحدة الإسلامية ـ أمنية ـ وكان العروبي متحمساً جداً للوحدة العربية ـ أمنية ـ فاختلفا، وارتفعت الأصوات منهما ومن مناصري كل منهما، ولا أخفي أنت كنت نصيراً للوحدة الإسلامية.
والعجيب أن هذا العربي متدين محب الإسلام، والإسلامين عربي قح ولا يتنكر للعروبة! لكن فهم كل منهما للوحدة مبني على ما قد ران في ذهنه وعلى قلبه من كُتَاب الوحدة الإسلامية، والوحدة العربية في ظلال التضامن الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، والاتحاد الاشتراكي العربي! مع أنه لا تناقض أبداً ولو تمت وحدة عربية على الإسلام كما كنا يوماً من الأيام لكانت أهم خطوة على طريق الوحدة الإسلامية، ولو تمت الوحدة الإسلامية لا يمكن أن تكون بعيدة عن العرب، بل ستكون بلا قلب لو ابتعدت.
ولا ينبغي أن تنسينا حالة العرب العصرية دورهم ومكانتهم وآثارهم وما ينتظر منهم.. ورضى الله عن الفاروق القائل: العرب مادة الإسلام.
نزل الإسلام على رجل عربي بلسان عربي، وحمله العرب "دعوة وتربية وتعليماً وسياسة وجهاداً" أكثر من ستمائة عام، فلما تولوا استبدل الله بهم غيرهم، وسقط غيرهم كما سقطوا واليوم يعود الكل بشدة وسرعة لتنتهي العودة في لقاءٍ إسلامي أخوي لا فضل فيه لعربي على عجمي ولا أعجمي على عربي، يبدأ هذا اللقاء بوحدة القرار في المحافل الدولية، ثم باتحاد تتم بوحدة شاملة، ولا مشاحة في المصطلحات، والتسميات بل الأهم والمهم إصابة الحقيقة وتحقيق الهدف الأكثر للوصول إلى الغاية الكبرى رضا الله عزوجل، ونيل السعادة، واستعادة الكرامة.
هي ما توقعته الأسبوع الماضي بداية سقوط اليهود، وبداية صعود العرب، فقد كتبت تلك الكلمات والطيران الإسرائيلي يغطي سماء غزة وبحرها، والحرب النفسية بحشد الجيش والاحتياطي وإرهاب الإعلام، ومناشدة الغرب الرحيم بعدم الاكتساح البري لأنهم أرحم بإسرائيل من أمها!
في هذا الظرف تفاءلت قبل أن تصل صواريخ القسام وأخواتها إلى تل أبيب والقدس، وقبل أن يلج معظم سكان إسرائيل الملاجئ ويغادرون أعمالهم، وقبل أن تطلب إسرائيل وساطة بهدنة، وقبل أن تصل رائدة السياسة الأميركية الخارجية إلى القاهرة لتشد على أيدي المصريين أن يجدوا ويسرعوا بالوساطة للوصول إلى هدنة.
استبشرت وبشرت متفائلاً واثقاً معتمداً على معطيات من الواقع الماضي والقريب والجديد الذي لم يدركه اليهود ولا صهاينة العالم الموالين لهم ولاءً أعمى.
قد زلزلت عروش الظلمة من أمتنا أبناء جلدتنا الذين خادعوا كثيراً فكشفوا وعرفوا أنهم حرب وشؤوم على شعوبهم، وظهر جلياً أن أهم مفاخرهم ومنجزاتهم:ـ
ـ ما قتلوا ـ ما سجنوا ـ ما عذبوا ـ ما نهبوا ـ ما بنوا وينوون أن يبنوا من جدرٍ فاصلة بين الإخوة في الدين والدم والجوار للقتل والحرمان ونصر العدو.
وبشرى وقوف الحكام الجدد بتعاطفهم واستعدادهم للتعاون مع المعتدى عليهم والزيارات التي تتت والمساعدات التي تدفقت وفتح المعابر ومجيء وفود متعاطفة، وظهور الدور المصري المتميز والهوية السريعة التي قبلها الطرفان بشروط المعتدى عليهم، وظهور المعتدين بوجوه كالحة غير رابحة ـ كل هذه ظواهر لها ما بعدها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
د.غالب عبدالكافي القرشي
بشائر ..... 1847