كم نحن بحاجة لنعيش أياماً، بل سويعات في هدوء بعيداً عن الضوضاء والصخب، بعيداً عن التلفاز والمذياع، بعيداً عن الهاتف والكمبيوتر، بعيداً عن الإنترنت والموبايل، بعيداً عن كل مظاهر هذا العصر، بعيداً عن كل تقنياته واختراعاته، بعيداً عن أدخنته وملوثاته، بعيداً عن أخطائه وحوادثه . كم نحن بحاجة لأن نهجر المدينة، بل والقرية ونحمل خيمة وننطلق إلى قلب بادية في قلب صحراء ليس فيها إلا نبع ماء وحطب وموقد لصناعة القهوة ونجول حول الخيمة لعلنا نرى مرعى تقتات الإبل من اخضراره، نشرب ولو كأساً من حليب نوقه .
كم نحن بحاجة لأن نسمع صوت الأغنام وخرير الماء بدلاً من صوت المعامل والمصانع ومضخات الماء والدرجات النارية التي أحالت حياتنا إلى معاناة وبؤس .
كم نحن بحاجة لأن نعود للسيف والرمح ونهجر الكلاشنكوفات والمسدسات والمدافع، وكم نحن بحاجة أن نعود للخيل والبغال والجمال بدلاً من المدرعات والدبابات والطائرات، كم نحن بحاجة لأن ننسى النسبية والكمية وما نتج عنها من تطبيقات الدمار والخراب، بل كم نحن بحاجة لأن نعود لأقدم من ذلك ونعود بلا صراعات وبلا حروب وبلا أدواتها سواء القديمة أو الحديثة .
كم نحن بحاجة لأن نعود لطبيعتنا نتنافس بقدراتنا، بعيداً عن قدرات الآلة التي تكون الأسبقية فيها لمن عرفها، كم نحن بحاجة لأن نعود لأقلام الخيزران وحبر الجدران وكم نحن بحاجة لساعي البريد الأقدم (الحمام الزاجل)، كم نحن محرومين من تلك الحياة الهادئة البسيطة ذات الفرص المتساوية والمتقاربة، بعيداً عن الفروقات الشاسعة بين الأفراد والجماعات بحكم الآلة والمادة المحصورة بيد فئة وعلى حساب فئات .
كم نحن بحاجة، لن أقول كم نحن بحاجة فقد يكون الكثير ليس بحاجة بل الجميع، لذلك كم أنا بحاجة لأن تتوقف الآلة ويتوقف العالم عن استخدام كل ما هو غير طبيعي ولو ليوم واحد في السنة، يوم نتوقف فيه عن استخدام الطاقة تنطفئ فيه الكهرباء نستعيد فيها الطاقة البشرية بدلاً من طاقة الآلة، وننعم بهدوء كان ينعم به أسلافنا، كم أنا بحاجة ليوم تتوقف فيه البورصات والحروب ويوم تتوقف فيها المكائد والدسائس، يوم تتوقف فيه السياسة والنجاسة، يوم تتوقف فيه المطالب، يوم يسير بلا خطة ولا تخطيط، بلا موازنة ولا حساب، ببساطة بحاجة ليوم هادئ .
jalalalwhby@gmail.com
جلال الوهبي
هدوء!! ...... 1346