أن تكون ثورياً فهذا أمر سهل ولكن أن تستمر ثورياً فهذا هو ما ستسقط فيه إن كانت لديك معايير مزدوجة تخضع لحسابات شخصية طائفية أو مناطقية أو معتمدة على المصلحة مما يجعل الآخرين ينفرون منك ويبتعدون عنك وتفقد ما كسبته طوال فترتك الثورية من احترام وتعاطف ومهما حاولت فيما بعد استعادة المكانة التي كنت تحوزها فإن ذلك يصبح ضرباً من ضروب الخيال والمحال فأنت ستكون مجرد منافق إن عدت لما كنت إليه من أول ولما كنت عليه في سابق عهد وإن استمسكت بمواقفك الجديدة فهي مواقف انتحار سياسي وأخلاقي وواقعي .
ولذلك فإن الأجدى على إيران أن تكونا أكثر حذراً وحرصاً في التعامل مع المتغيرات التي تحدث في مناطقها والمناطق التي تحيط بها والمناطق التي لها فيها مشاريع التي هي بالطبع طويلة المدى .
وعليها أن تعد نفسها للتعامل مع المتغيرات وما ستأتي بها من أنظمة جديدة وفي حالة فشلها في الإعداد والقبول لما هو آتي فمعنى ذلك أن هناك خللاً عميقاً في سياستها ستؤدي حتماً إلى انهيار داخلي لها لأنها افتقدت المرونة الضرورية لمقاومة العواصف القوية التي لا تجدي الصلابة معها في شيء .
على إيران أن تتعامل بنفاق مع نفسها وعليها أن ترغم نفسها على تقبل المتغيرات بل وأن تكون جزءاً من هذه المتغيرات مثلها مثل بقية القوى الأخرى وأصحاب المشاريع الطموحة للسيطرة على المنطقة الذين أدركوا أن لا جدوى من الوقوف ضد الرياح ومن السباحة عكس التيار وأصبحوا جزءاً من المشاريع التي تنفذ في المنطقة وأصبحوا أصحاب كلمة مسموعة بعدما كانوا سبباً في التغيرات الطارئة بدعمهم لأنظمة انهارت، كانت أفضل من النظام الذي لا تزال إيران تدعمه وهو منهار لا محالة وعندما حدثت موجة الثورات والتغيرات انحنوا لها ورفعوا رؤوسهم بعدما تعدتهم موجتها وعادوا من جديد للعمل على مشاريعهم، مستوعبين التغيرات الطارئة ومترقبين لما سيأتي منها .
على إيران أن تدرك أن النفاق مع النفس أجدى من النفاق مع الآخرين فأنت تتعامل مع ضرورة تضمن لك البقاء أما النفاق مع الآخرين عن طريق الازدواج في المعايير والمقاييس للأسباب التي ذكرتها آنفاً فإن هذا طريق نهايته مأساوية تطيح بجهد وعمل عشرات السنين في لحظة عجز عن استيعاب التغيرات ولحظة تصلب تفقد أجزاءك الحركة في وقت تحتاج فيه لمرونة تعينك على المناورة والخروج بأقل الإضرار إن لم يكن هناك إمكانية لاقتسام الكعكة والبقاء كلاعب داخل الساحة ولو بإمكانات أقل مما كنت عليه في السابق على أمل أن تكون طويل النفس بحيث تكون الرابح الأكبر في النهاية وهذا لا يعني أنه لن يكون معك رابحين آخرين وبميداليات أقل قيمة من التي حصلت عليها أنت أو أكثر قيمة .
مما سبق يجب على إيران أن تدرك أن مشروعها السابق لم يعد هناك إمكانية لتطبيقه وأنها عندما كانت ثورية ما كان لأنصارها ومؤيديها أن يقبلوا بغير ذلك وإن حاولت تبرير ذلك بما تقول وبما ستقول فللناس عقول يفكروا فيها ولهم قياساتهم التي لا تهمل الوقائع والشواهد وللمتابعين من الذكاء والثقافة والفكر والتحليل ما يستطيعون أن يميزوا به ما بين ما يقال وما هو موجود على أرض الواقع وعلى إيران أن تعلم أنها ومن خلال دعمها لنظام تدرك جيداً أن لا إمكانية له على البقاء أنها تخدم أعداء سوريا لأن دعمها لنظام الأسد لن يضمن له البقاء بل سيطيل أمد الأزمة مما سيؤدي إلى خسائر كبيرة للشعب السوري وإمكانياته العسكرية والمادية بحيث تصبح سوريا ما بعد الأسد دولة ضعيفة منهكة وهذه الوضعية هي الوضعية المثلى للدولة التي تنتظرها إسرائيل التي لطالما توعدتها إيران فهل إيران مستعدة لخدمة إسرائيل بموقفها السلبي من الثورة السورية؟.
جلال الوهبي
ورطة ازدواجية معايير السياسة الإيرانية 1861