بقلم: ليز روباريان ترجمة/ أخبار اليوم
زاد التفاؤل عندما أزاح المد الثوري للربيع العربي علي عبدالله صالح من السلطة في اليمن العام الماضي. كان من المفترض أن تكون نهاية 33 عاما من رئاسة صالح، وهو العهد الذي برز في قمع المعارضة والإنزلاق إلى الفوضى الاقتصادية أكثر من التغلب على حالة الفقر والتمييز والفساد، بمثابة بشرى ببداية جديدة لأفقر دولة في العالم العربي. لكن على الرغم من تعيين حكومة انتقالية برئاسة نائب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، فإن النهاية الموعودة لم تتحقق.
فبدلا من ذلك، تفاقمت الاضطرابات الاقتصادية والسياسية المتواصلة في اليمن بسبب أزمة الغذاء المتصاعدة. وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، فقد تضاعفت حالات الجوع في اليمن على مدى العامين الماضيين.
في ميو الماضي، حذرت وكالات الإغاثة من أن حوالي نصف سكان البلاد البالغ 25 مليون لا يملكون ما يكفي من الغذاء وأن ثلث الأطفال في بعض المناطق يعانون من سوء التغذية الشديد.
بعد تحذيرها في سبتمبر الماضي بأن اليمن في وضع حرج، وجهت الأسبوع الماضي منظمة أوكسفام نداءا مشتركا مع الإغاثة الإسلامية بـ38 مليون دولار، قائلة أن 5 ملايين شخص في حاجة للمساعدات الطارئة.
كما أن الأمم المتحدة، التي تتوقع بأن 267000 طفل يواجهون مستويات من سوء التغذية تهدد حياتهم، زادت قيمة ندائها الإنساني من 447 مليون دولار إلى 586 مليون دولار.
ومع ذلك، فإن هذه التمويلات تواجه صعوبة في رفعها حتى الآن. في مؤتمر أصدقاء اليمن الذي عُقد في العاصمة السعودية الرياض في مايو الماضي، تعهد المانحون الدوليون بتقديم 4 مليار دولار من المساعدات. لكن لا يزال من غير الواضح إذا كانت هذه المبالغ ستصل ومتى وكيف سيتم توزيعها في حال وصلت.
لقد اضطرت أوكسفام إلى تجميد مشروع تقديم أموال مقابل الغذاء في محافظة حجة شمال غرب البلاد، في حين تم تخفيض كبير من نطاق مشروع أخر في محافظة الحديدة على الساحل الغربي لليمن.
كما فشلت الإغاثة الإسلامية في رفع مليوني دولار كانت مطلوبة للتغذية وبرامج الإنعاش المبكر. إضافة إلى ذلك، لم يتم توفير سوء 48 بالمائة من نداء الأمم المتحدة حتى الآن.
هذه الاحتياجات تتسبب في ضرر كبير في بلد فيه السياسة والفقر لصيقان بشكل وثيق. فالمرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية المتعثرة في اليمن لم ترتكز على الأموال الممنوحة لدول أخرى من الربيع العربي، كما أن محنتها الإنسانية الأوسع نطاقا فشلت في كسب التأييد. إذن السؤال هو ما السبب؟
مدير برنامج أوكسفام الإنساني في اليمن جوي سينغال يعتقد أن عدم وجود تغطية إعلامية ربما يكون أحد العوامل.
يقول سينغال: "في رأيي إنها لا تجذب التعاطف لإعطاء الأموال إلى اليمن. إنها ليست أزمة مثل تسونامي في أندونيسيا أو وقوع الزلزال في هايتي. فاليمن هي واحدة من دولتين أو ثلاث من الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط التي تُعتبر منطقة ذات دخل متوسط. فالناس الذين قد يتبرعون بخمسة جنيهات أو عشرة جنيهات في بريطانيا أو أوروبا لا يعتبرون اليمن حالة ذات أولوية، لأنها ليست موجودة على وسائل الإعلام".
ويضيف بقوله: "المشكلة الوحيدة في اليمن التي نراها في وسائل الإعلام هي الأمن أو القاعدة أو الرصاص المتطاير فيما حولنا. لكن ما نراه في الواقع شيء مختلف. الأمن لم يكن حجر عثرة أمام وصول المساعدات لكن إيصال هذه الرسالة إلى المجتمع الدولي أصبح تحديا".
مدير مكتب الإغاثة الإسلامية في اليمن هاشم عون الله يعتقد أن ضعف النفوذ السياسي لليمن هو المعضلة
يقول عون الله: "على الرغم من موقعها الاستراتيجي والكثافة السكانية العالية، اليمن لم تميل لتكون دولة ذات نفوذ سياسي على الصعيد الإقليمي أو على الصعيد العالمي، ولعل هذا ساهم في إهمال نسبي للشعب اليمني من قبل المجتمع الدولي".
ويعتبر عون الله بأن الآثار المترتبة على الوضع المالي العالمي والمطالب المتعارضة لأزمة الجوع هي عوامل مساهمة، لكنه يقول إن ضعف المانحين يجب أن يقابله احتمالات الاضطراب السياسي.
ويقول: "بدون مساعدات كافية هناك خطر حقيقي بتزايد الاضطراب والتطرف والتحديات الأمنية وحتى تفتت البلاد إلى منطقتين أو ثلاث منفصلة".
وكما يشير سينغال بأن أحد الأسباب هو تركيز التغطية الإعلامية على الجانب الأمني بدلا من القضايا الإنسانية، فحتى وقت قريب، من الصعب الحصول على حقائق ثابتة للوضع.
ويقول سينغال: "البيانات الأساسية التي يحتاج إليها المجتمع الدولي لاستخدامها كركيزة للتمويلات من الصعب جدا إيجادها في اليمن. فكم عدد الفقراء في اليمن؟ وكم عدد الذين يعانون من إنعدام الأمن الغذائي؟ فبعد أن قمنا بعمل تقييمين، أصبحنا قادرين على مقارنة أرقام الأمن الغذائي لعام 2009 مع أرقام 2011".
وبدلا عن وكالات الإغاثة، كان ينبغي على الحكومة اليمنية أن تتحمل مسئولية عمل مثل هذا التحليل، لكن ذلك لم يحدث في ظل نظام صالح.
ومع مراقبة العالم، يرى البعض أن الرئيس السابق لم يكن لديه خيار سوى توجيه جميع الموارد المتاحة من أجل التعامل مع الأمن، ويدعي البعض الآخر بأن صالح لعب بكرت مكافحة الإرهاب لمصلحته الخاصة، حيث كان يبالغ من تأثير المتمردين وحتى أنه يعطيهم دعما ضمنيا.
فمهما كانت الحقيقة الواقعة، فإن الإهمال الطويل للخدمات الأساسية هو عامل رئيسي في الأزمة الحالية.
يقول سينغال: "الاستثمار في الخدمات الإجتماعية في البلاد كان مسحوق للغاية وليس له وجود. والأمر نفسه ينطبق على الصحة والمياه والصرف الصحي والكهرباء. فالحصول على خدمات هي سيئ للغاية، وهذا هو السبب الكامن وراء وجود عدد من القضايا الإنسانية بما في ذلك الملاريا وسوء التغذية والاسهال. والعديد من المراكز الصحية تكون بعيدة جدا والناس ليس لديهم المال الكافي لتغطية تكاليف وسائل النقل".
حوالي نصف السكان في اليمن يعيشون على أقل من دولارين يوميا. والفقر يجبر العديد من اليمنيين على شراء المواد الغذائية بالدين وهذا يخلق مشكلة تراكم الديون، بالرغم من أن هذه الوسيلة هي متاحة فقط لأولئك الذين يستطيعون الحصول على من يدينهم.
أوكسفام تأمل في تقديم أموالا للحالات الأسوء، لكن أولا يجب حل اللغز المحير في جمع التبرعات.
يقول سينغال: "يجب النظر إلى ما هو أبعد من الوضع الأمني في اليمن وفهم أن هناك حاجة ملحة للمساعدات الإنسانية هنا والآن. لقد قام الربيع العربي بعمل جيد مثير للدهشة في وضع حكومة مستقرة في مكانها، والآن ينبغي علينا دعم الحكومة حتى تتمكن من تقديم المساعدة للمحتاجين".
صحيفة الغارديان البريطانية
لماذا أزمة الغذاء في اليمن بعيدة عن الرادار الإنساني للعالم؟ 3558