يعد الحوار قيمة إنسانية وحضارية، فمتى ما وجدنا مجتمعاً متعايشاً مع بعضه رغم التباينات السياسية والفكرية ورغم تعدد أعراقه وتعدد دياناته، فإننا نخلص بنتيجة طبيعية وحتمية هي أن هذا المجتمع رغم تبايناته مجتمع حضاري بكل ما تعنيه الكلمة لأن الذي يستطيع أن يتجاوز الصعاب ويطوعها لتتحول من صعاب إلى عوامل نجاحات هو المتحضر والمثقف حقاً، بعكس ذلك الذي يواجه الصعاب بشعارات تترجمها أفعال القتل الذي أصبح يجيده كوسيلة يلغي به الآخر الذي أصبح لا يطيقه، بل ويراه ندا يصعب عليه تجاوزه أو التعايش معه وإن كان ثمة قواسم مشتركة تجمع بينهما، وهو ما يدلل على أن المجتمع الذي بلغ به الأمر هذا المبلغ مجتمعا يعيش أزمة فكرية عميقة ومستعصية، منشئوها في المقام الأول عزلة وغياب هذا المجتمع عن مشهد التطور الحضاري الذي يشهده العالم كل يوم بل كل ساعة، هذا إلى جانب عدم الاعتراف بالاختلاف كسنة ربانية قضي الله بها فقال:(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) فكانت هذه السنة نتاجاً لتباين التفكير الناتج عن تباين الفهم عند الناس والذي هو قسمة الله بين خلقه قال الله):أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) وهذه القسمة منة الله على خلقه لتتحقق على إثرها سنة التسخير التي هي قوام حياة الناس ومنطلقهم لتحقيق التكامل المجتمعي والذي على إثره يٌسلم الناس بحتمية التعايش والقبول بالأخر ولا بد، وعلى إثر هذا التسليم تنطلق المجتمعات نحو البناء والاشتغال بتحقيق التنمية المستدامة للأفراد والمجتمعات والدول، وهو الأمر الذي يجعلنا اليوم وبالذات في اليمن نعيش بعقول تفكر بشكل جدي أكثر من أي وقت مضي، وبما يفرض علينا أن نجعل نقطة الانطلاق لبناء اليمن الجديد "القبول بالحوار كوسيلة نتعلم من خلالها كيف ندير خلافاتنا لا العكس" وهذه في نظري نقطة جوهرية حساسة ومهمة وهي محل تسليم عند الجميع، لكن على رغم التسليم بها كحقيقة من الحقائق الشرعية والإنسانية إلا أن البعض يلجأ مكابرة وعنادا للتعامل بها كحقيقة معكوسة من خلال فرضه للكيفية والنتائج التي يريدها هو ليدار ويخرج بها الحوار مع أن الله سبحانه قد علم نبيه صلى الله عليه وسلم القبول بهذه الحقيقة عند حواره مع الكفار وهم كفار حينما قال له وهو خطاب لنا جميعاً: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أي لنجلس جميعا على طاولة مشتركة مقصدنا البحث عن الحقيقة وإتباعها بغض النظر عمن جاء بها، مع أن النبي صلي الله عليه وسلم على الحق وحاشاه أن يكون على ضلال، لكن استعمال منهجية البحث عن الحق الذي قد يكن مع أحدنا مهم، لأنه يقود لمعرفة الحق والتسليم بإتباعه، وهنا ألا يسعنا نحن هنا في اليمن ونحن على أعتاب الدخول في مؤتمر الحوار الوطني ما وسع محمد صلي الله عليه وسلم، فندخل كقوى وطنية مؤتمر الحوار بقضايانا الوطنية التي يجب أن لا يدخل المتحاورون مؤتمر الحوار، إلا بعد تحديدهم لطبيعة القضايا التي سيناقشها المؤتمر، وعلى أن يتم أثناء الحوار طرح الحلول لهذه القضايا من وجهات النظر المختلفة تكفل الخروج بحلول مشتركة ومرضية للجميع، بدلاً من أن يشترط البعض لدخوله في الحوار أن يأخذ المتحاورون عنه وجوبا الحلول التي يراها هو للقضية التي هو أحد ممثليها وليس الممثل الوحيد، إن هذا الطرح لا يستسيغه عقل عاقل، فضلاً عن أن تستسيغه عقول أصحابه الذين عرفناهم تحررين تقدميين لن نقبل منهم أن يقولوا الشيء ويأتوا بنقيضه فهذا الطرح يناقض ما ينشدونه من تحرر وتقدم، لأنه الاستبداد بعينه والإلغاء في حد ذاته للممثل والشريك الآخر في القضية ذاتها، كما أن مثل هذا الطرح يمكن أن نستسيغه حينما يأتي من جاهل، لكن حينما يتبناه وينادي به مفكر ومنظر رائد ثقافة وصاحب علم، فإنا لا نقبل منه ذلك لأنا لا نريد له أن ينزل إلى هذا المستوي الغير مقبول من الانحطاط الثقافي والتعليمي بحيث لا نسمح لأنفسنا أن نسوى بينه وبين أحد رعاة الغنم الذين عرفتهم في واحد من أرياف احدي المحافظات اليمنية حينما ذهب إلى والد أحد الشباب يشكوا إليه أن ابنه رمي حجرا فقتل بها تيسا له فقال: والد الشاب نعوضك بتيس بدلاً عن التيس فقال الراعي لا أقبل قال: والد الشاب طيب نعطيك ثمنها فقال: الراعي لا أقبل، فسكت والد الشاب قليلاً ثم قال: بعدما وجد أن أمر الراعي غريباً طيب نقتص للتيس من عبده ـ عبده قاتل التيس ـ قال الأب هذا بعدما فهم ربما أن الراعي يريد تيسه بعينه حياً وهو طلب مستحيل، فأراد أن يضعه أمام خيار آخر ربما لم يكن بتلك الاستحالة، ونحن من هنا نقول لإخواننا الذين يريدون حواراً بنتائج مشروطة، إما أن نجتمع جميعاً على طاولة واحدة للحوار على كل القضايا وبما يحقق الرضي للجميع وإلا اقتصصنا لكم من اليمن.
نجيب أحمد المظفر
الحوار.. وإلا فالقصاص من اليمن!! 2066