ظل المشهد الثوري في مصر مغيماً خصوصاً في فترة السباق نحو رئاسة مصر ولم تكن السحابة التي ظللت المشهد الثوري في مصر سحابة عابرة بل كانت سحابة جاثمة مخيفة كادت أن تمطر على مصر حجارة انتقام أُوقد عليها المستبدون بلهيب نار انتقامهم، لولا أن الله أولاً تولى هذه الثورة العظيمة بحفظه ورعايته وتأييده ولولا حنكة وحكمة وإصرار الثوار المصريين الذين قاسوا ويلات القهر والإذلال والتي معها صار المواطن المصري لا قيمة له ولا كرامة طيلة عهود الاستبداد التي خيمت على مصر من بعد ثورة 1952م وحتى 25فبراير 2011م، ولولا أن المصريين أدركوا حجم المؤامرات التي استهدفت وتستهدف ثورتهم فسعت لإفشال هذه الثورة بل ومصادرتها والالتفاف عليها لإعادة إنتاج النظام الذي لفظته مصر إلى غير رجعة بطرق متعددة خبيثة وماكرة ابتدأت بمحاولات شق صف القوى الثورية، وعرقلة تشكيل لجنة صياغة الدستور, فالتدخل لمنع مجلس الشعب من سحب الثقة من حكومة الجنزوري والتي كان مجلس الشعب قد قرر سحب الثقة منها لأمرين: الأول لما تقوم به من فساد وإفساد ممنهج أضر بحياة المواطن المصري وهو ما جعل البعض منهم يرون أن التغيير الذي نشدوه أصبح وبالاً عليهم، أما الأمر الثاني فكي تتشكل حكومة جديدة وفقا لمعطيات الانتخابات وهو ما أثار حفيظة المجلس العسكري الذي بدوره رفض الأمر بشده وهو ما دفع الإخوان الذين وجدوا أنفسهم أمام ناخب مصري ينتظر منهم أن يفوا بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم خلال الانتخابات التشريعية التي فازوا فيها بأغلبية لم تشفع لهم عند المجلس العسكري أن يشكلوا على إثرها حكومة تنفذ برنامجهم الانتخابي, وبين ثورة بدت معالم إجهاضها واضحة من قبل المجلس العسكري وأساطين النظام السابق، الأمر الذي استدعي من الإخوان العدول عن قرارهم الذي كانوا قد صرحوا به وهو أنهم لن يدخلوا سباق المنافسة في الانتخابات الرئاسية حرصا منهم على أن لا تشعر القوى المصرية أنهم يريدون الاستفراد بكل السلطات، ولأن مرحلة بعد الثورة تقتضي مشاركة كل القوى السياسية في إدارة شئون الدولة وبناء مؤسساتها وسن دستورها وتشريعاتها، فحصل بالفعل العدول من الإخوان عن قرارهم فقرروا دخول سباق الانتخابات الرئاسية حتى لا تكن الانتخابات الرئاسية بوابة لدخول مصر مرة أخري عهودا جديدة من الاستبداد خصوصا والرئيس الذي سينتخب لن تكون له صلاحيات محددة طالما والدستور لم يصغ بعد، وفي ظل مجلس عسكري أثبت أنه جزء من نظام المخلوع مبارك، وبالتالي الحكومة وأمر تشكيلها سيكون مرهون بيد الرئيس، وكذلك مجلسي الشعب والشورى سيكون للرئيس حق حلهما وهو الأمر الذي جعل الإخوان أمام تحد ومغامرة خطيرة حينما قرروا دخول سباق الرئاسة، السباق الذي بفضل الله حٌمدت عواقبه إلى الآن، وبالذات بعد الإعلان عن فوز مرشح الإخوان بالرئاسة في الجولتين، وهو الفوز الذي بدت دلالاته واضحة على الصعيد المصري والعربي والدولي وتتمثل أهم هذه الدلالات في الآتي:
أولاً: دل هذا الفوز دلالة واضحة على نجاح الثورة المصرية واستحالة أي محاولة تهدف إلى الالتفاف على الثورة وإمكانية قلب الطاولة وإعادة إنتاج نفس منظومة الحكم التي أسقطتها الثورة إلى غير رجعة وهو ما كان له انعكاساته الإيجابية على الثورات العربية خصوصا الثورة اليمنية حيث مثل هذا النصر نصرا جديدا للثورة اليمنية بالذات، خصوصاً بعدما بدا ترقب الانتخابات المصرية في اليمن من قبل الثوار والنظام السابق وأنصاره واضحاً، وبصورة أوحت بأن ما ستتمخض عنه الانتخابات المصرية سيكون عامل قوة لأي من الطرفين في اليمن، وبالأخص النظام السابق وأذنابه الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر الإعلان عن فوز أحمد شفيق رئيسا لمصر ليبدءوا باستعادة قواهم استعدادا لاستنساخ شفيق لهم في اليمن.
ثانياً:فوز مرسي يحمل في طياته رسالة واضحة مفادها أن الشعوب شبت عن الطوق فأصبحت لا تقبل عليها أي وصي كما لا تقبل أن يراهن أحد على إمكانية تزيف وعيها مهما كانت قوة آلته الإعلامية، ومهما كان حجم شائعاته التي يستخدمها ليعيد من خلالها مرة أخرى الاستبداد إلى سدة الحكم بعباءة جديدة ومختلفة، ومن خلال رفع لافتات وشعارات تنذر المجتمعات من الانزلاق إلى دومات الفوضى والتشرذم والاقتتال إن قررت أن تختار غير منظومة الاستبداد التي يجرى الرهان إعادة إنتاجها، في تجاهل واضح للشجاعة التي بدت عليها الشعوب حينما قهرت الخوف فلم يجد له إلى قلوبها سبيلا.
ثالثاً:التعقيد الذي شاب المشهد الانتخابي المصري بما فيه من تعمد بعض القوى الثورية عدم دعمها لمرشح الإخوان، ومع عدم اكتفاء هذه القوى بهذا الموقف سارعت إلى دعوة مرشح الإخوان للانسحاب مع التام أن الإخوان لن يستجيبوا لهذه الدعوة، التي لم يكن لهم من ورائها إلا تكثير حججهم التي من خلالها سيتم العمل على تعبئة الشارع الثوري المصري ضد الإخوان في حال فوز أحمد شفيق، ليتعامل الشارع المصري مع الإخوان على أنهم هم من أجهضوا الثورة وساهموا في إعادة إنتاج النظام الذي في سبيل الإطاحة به خرج الشارع المصري, فقدم شهداء وجرحى من خيرة أبناءه، كل هذا التعقيد الذي لابس المشهد المصري جعل الإخوان أمام اختبار صعب أثبتوا خلال تجاوزهم له بنجاح قدرة وكفائه عاليه مكنتهم من إجراء مراجعات وتعديلات سريعة لمواقفهم ولسياساتهم بصورة أقنعت الناخب المصري بها في ظرف زمني قصير وحساس وهو ما يعني أن الإخوان يحظون بحضور جماهير نوعى وعريض في الساحة المصرية مكنهم من خلال مصداقيتهم التي عهدها عنهم الشارع المصري من إسقاط الصورة التي علقت في ذهن الناخب المصري عنهم، وهذا في الحقيقة يدلل على أن المشروع الإسلامي يتمتع بمرونة تجعله يستطيع أن يستوعب الجميع وإن تباينت رؤاهم ومشاربهم الفكرية، وهو ما يجعل الجميع يثقون به، كما أن مرونة المشروع الإسلامي تجعله يستوعب المتغيرات ويتعامل معها بروح إيجابية لا تصادمية, الأمر الذي يحتم على المجتمع الدولي التعاطي مع هذا الكائن الجديد الذي تمخضت وتتمخض عنه الثورات العربية تباعاً بإيجابية مماثلة ما دام والمجتمع الدولي يتغني بالسلام والحرية والمساواة وينبذ العنف والتطرف والإرهاب ويحترم حق الشعوب في اختيار من يمثلها.. هذه أهم الدلائل من وجهة نظري وإلا فإن دلائل هذا الفوز لا تتوقف.
nagebmodafr@yahoo.com
نجيب أحمد المظفر
مرسى.. فوز لا تنقضي دلائله!! 2051