إن المتابع للأحداث التي تجري في الجنوب اليمني ومناطق أخرى إلى جورها كصعدة والجوف وحجة وعمران، يدرك أنها لم تكن وليدة اليوم قدر ما هي تراكمات خلفها النظام البائد نظام علي صالح، من خلال الكبت السياسي..والأوضاع الاقتصادية ومحاولة إقصاء المعارضين السياسيين.. والجمود الذي عاشته اليمن خلال الـ33 عاماً، فلم تستطع سلطة الفرد أن تستوعب المتغير أكان الداخلي أو الخارجي، الأمر الذي أسرع في تعجيل وتسارع وتيرة الأحداثـ، ليجد صالح نفسه خارج السلطة، بل ومطلوب منه مغادرة البلاد، وهذا أمر ما كان يخطر في باله أن يصل إلى هذا المستوى، ولم تكن الأحداث في اليمن في معزل عن المحيط الإقليمي والدولي، كما أن دولاً عربية وغربية وفي مقدمتها أميركا رأت أن علي صالح بات مفروغاً منه، ولم يعد يعني هذه الدول في شيء إن لم يكن بفعل قمعه ودكتاتوريته قد أصبح عبثاً يجب التخلص منه..
ولقد رأينا هذا بوضوح في رفض أميركا وغيرها من الدول لاستقباله في السابق لاستكمال علاجه.. ورأينا بوضوح رفض العديد من الدول العربية والأوروبية استقباله للعيش فيها فترة السنتين، بعيداً عن الساحة السياسية اليمنية، لما يثيره من زوبعات.
وما يحدث الآن في اليمن من التدخل الخارجي الإيراني أو الأمريكي صار اليوم واضحاً ولا يحتاج إلى تأكيد وذلك لأن الذراع الأمريكية العسكرية التي تطال كل الأراضي اليمنية بذريعة مكافحة الإرهاب هي الذراع ذاتها التي تريد فرض آرائها ومقترحاتها وتدخلاتها في السياسة اليمنية.. وهي أيضاً ذاتها من يريد أن بفرض الديمقراطية التي تلبي الرغبات والمصالح الأميركية وليس ما يعبر عن طموحات وآمال وتطلعات الشعب اليمني ..
فأمريكا أيدت صالح في دكتاتوريته طوال فترة حكمه، وحين رأت أن الشعب ثار عليه، فلم يعد يتفق مع مصالحها، تخلت عنه وتركته ليكتشف أن كل ما قدمه من خدمات لنيل رضاها لم يعد يشفع له، باعتباره أنه مجرد كرت تم استخدامه لإحراقه ورميه على الأرض ليتحلل في التربة.
ومن ثم انتقلت الآن إلى معادلة أخرى.. وهو نفسه ما يجري الآن من التدخلات الإيرانية في اليمن من أبواب متفرقة مع الحوثية والحراك من أجل أن الفوضى تعم البلاد، فتدخلات إيران في بلادنا تأخذ كل المفارقات في الواقع بعين الاعتبار وهي علي استعداد للتعامل مع أي طرف كان، بمدى قدرة كل طرف علي حدة وأن يكون الذراع الإيرانية في اليمن التي تحمي مصالحها.. وهذا الأمر بات اليوم لا يحتاج إلى المزيد من التأكيد ولا إلى ميكروسكوب لنراه، فنحن نراه بالعين المجردة.
نحن اليوم نحتاج إلى أن نوعي الشعب به ونحذره منه في مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات والحركات الثورية والجمعيات، الذين تقع عليهم مسؤولية الحفاظ علي الوحدة الوطنية والسيادة والاستقلال.. وأن تصغي إلى نداء العقل وإلى ما يلبي الواقع اليمني للخروج به إلي بر الأمان.. وأن يفهم الجميع جيداً أن أي لقاء مع مسؤول أمريكي أو إيراني مهما كان حميماً ويعبر عن رضي لتوجه ما، ليس سوى فخ ينصب وينبغي الاحتراز منه وإغلاق النوافذ التي تأتي منها رياح الفوائد من وراء تدخلاتها السياسية.. وإدراك حجم ما قد يلحق بالوطن من أضرار بالغة إذا لم نقف يداً واحدة لاستكمال المرحلة الثانية من بنود المبادرة الخليجية، أو في حالة أن يجد المخطط الأجنبي مجالاً لتنفيذه، وأن يتم اختيار قوى تتعامل مع هذا المخطط وتعمل علي تطبيقه..
والواقع أننا لا نستطيع أن نتغافل عما فعلته أميركا وإيران في العراق أو أفغانستان وغيرها من البلدان المختلفة الأخرى والتي شغلتها بصراعات وحروب وتمزيق للنسيج الاجتماعي
وبمجرد قبول إحدى القوى الوطنية بالدخول في فلك المخطط الأجنبي واستعداده لأن يلبي المصلحة الأجنبية، سواء الأميركية أو الإيرانية.
وعلى هذا الأساس هو ما يجب أن يعرفه الجميع من مختلف الأحزاب السياسية والحركات والمنظمات ملزمة وطنياً الآن بأن تنجز مهام الشراكة الوطنية التي اتفقوا عليها فيما بينهم، بما يشكل صمام أمان من أي تدخل أجنبي، وهي وحدها من سيدفع بمشاريع تجزئة البلاد إلي الفشل بقوة حينما تعي أن الأولويات التي تخص هذا الوطن تكمن في توافقهم الوطني الذي هم عليه الآن، وأن الحوار القادم بشرط إذا كان حواراً جاداً ومخلصاً وحقيقياً، مبنياً على التعامل مع كل الأطياف والمنظمات والحركات الثورية بدون استثناء أحد، ويكون حواراً قادراً على أن يصوغ توجهات مستقبليه واضحة الأهداف والأبعادـ ولديها من التشوق نحو مستقبل أفضل بما تقدر على خوض التحديات القادمة لاستكمال بنود المبادرة، ولكن ليس قبل أن تتخلص من رواسب وعقد الماضي والمناكفات السياسية .التي جعلت المواطن اليمني يعيش أزمات متوالية..
ومن هنا لابد للرئيس المشير/ هادي وحكومة الوفاق الوطني أن يدركوا مكامن الخطر والتحديات المستقبلية.. وأن يركنوا إلى الشعب قبل أي شيء آخرـ وأن يؤمنوا بأهمية أن يكون الجميع شركاء في هذا الوطن.. ولابد لحكومة الوفاق أن تحارب التخلف بكافة أشكاله ومضامينه، وأن يكون برنامجها الحقيقي هو القضاء علي الفقر والجهل والبطالة "الثالوث المرعب" وإقامة الدولة المدنية الحديثة التي ينشدها شباب الثورة، دولة النظام وسيادة القانون على الجميع، الشيخ والرعوي، الغني والفقير، المسؤول والمواطن..
وعليها صياغة دستور لا تقبل نصوصه المنازعات والأهواء أو البحث عن تحيل نقاط ضد الآخر، دستور يكفل ويعزز قيم الحرية والعدالة والحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية..
إن الأولى بحكومة الوفاق أن تعرف هذه القضايا بمعزل عن مؤشرات أخرى داخلية وخارجية تريد من تأزيم الواقع.
ولا بد لها أن تستوعب أهمية الديمقراطية في إطلاق الطاقات والقدرات، لأن تقدم نفسها دونما مراعاة لأي من الاشتراطات التي كانت تمارسها الحكومة السابقة المبنية على المناطقية والأسرية ...إلخ.
ولا بد لحكومة الوفاق أن تقف بقوة من أجل مكافحة الفساد وتقدم خططها في هذه المجال وأن على الأحزاب المشاركة فيها أن تتنافس في احترام الدستور والقانون وليس في ابتكار الحيل والمكايدات والأراجيف التي يخسر فيها الوطن بقواه الحية والفاعلة.
وعلى هذا الأساس يكون العمل السياسي الديمقراطي بكل تجلياته من يشكل السياج المنيع للوحدة الوطنية من التجاذبات والإرهاصات التي وصل إليها من يقدمون أنفسهم للأجنبي كأدوات تلبي رغباته وتعمل على تحقيق مصالحه وأهدافه.. ولا شك أن احترام الحقوق والحريات من موجبات حكومة الوفاق وهي من يدعم ويكفل الأمن والاستقرار والسيادة الوطنية..
إن على حكومة الوفاق أن تنطلق نحو التنمية الشاملة وإرساء دولة النظام والقانون وجعل 25 مليون إنسان يمني يشتغلون في هذه التنمية، أي للانتقال بهم من طاقات مهدرة أهدرها صالح إلى قدرات تسهم في البناء والاشتغال قي مساحة وطن يزخر بالإمكانيات وفرص التنوع والثراء الزراعي والحيواني والسمكي والسياحي...إلخ.
إن كل ذلك مازال للأسف الشديد في الحدود الدنيا من الاستغلال، إن لم يكن استغلاله بشكل سلبي يحرم البلد من تسخير هذه الإمكانيات في الاتجاه الذي يجب، فإذا لم تنتهج هذه الحكومة التخطيط في عملية البناء وعملت على تمركز السلطة مرة أخري في يد الفرد، فكل ذلك ليس سوى تدميراً لقدرات الشعب التي حين لا تجد ما يلبي رغباتها ويعبر عن طموحاتها تنساق إلي الفوضى والاقتتال والارتهان أيضاً وتدفع بالأجنبي أن يكون حاضراً، فإذا كان اليوم لدينا أكثر من نموذج تقدمه أميركا وإيران على إثر تدخلاتهما علي الوطن بمختلف الصعد السياسية والثقافية الاجتماعية والدينية، فإن من نافلة القول والحال كذلك أن تكون هذه النماذج تجارب حين ينبغي استحضارها لخلق حالة وطنية قوية ترفض سلطوية الفرد وديمقراطية الفوضى..
إذاً.. فبمقدور الوطن وأحزابه السياسية والمنظمات المدنية وحركاته الثورية وحكومة وفاقه الوطني أن تبني رؤى شراكة فاعلة ومثمرة وقابلة للتطور..
عبد الوارث الراشدي
حكومة الوفاق بين تطلعات الشعب.. والتدخلات الخارجية 1888