من البديهي القول أن الدولة حينما تخرج من معركتها مع القوى المعادية لأمنها واستقرارها منتصرة فإن انتصارها هذا يمثل بداية الطريق لكسب أي معارك أخرى قادمة، لأن هذا النصر لا يعد نصراً على قوى أقدمت على مواجهة الدولة وجهاً لوجه فحسب بل يمتد ليمثل انتصاراً أولياً للدولة وهزيمة مقدمة على كل من يفكر وتسول له نفسه الإقدام على ارتكاب أي حماقة تجعله في مربع المواجهة مع الدولة الممثلة بأجهزتها الحكومية المختلفة، ومن هنا ينبغي علينا أن نقول وينبغي على أجهزة الدولة الحكومية وبالذات الدفاعية والأمنية منها ممثلة بالقائمين على هرم هاتين المؤسستين أن يعوا جيداً أنهم مطالبون اليوم أكثر من غيرهم وأكثر من أي وقت مضي ببسط هيبة الدولة والمساهمة في تشييد دعائم دولة يحرسها العدل ويسوسها القانون الذي يكفل للناس حرياتهم ويساوي بينهم في الحقوق والواجبات، خصوصاً ونحن اليوم أمام انتصارات متعددة أحرزها الوطن ممثلاً بأبنائه الأوفياء الميامين من أبطال القوات المسلحة والحرس الجمهوري والأمن واللجان الشعبية في كل من صنعاء على العناصر التي تمردت على الشرعية الدستورية حينما انقلبت على قرارات رئيس الجمهورية في اللواء الثالث حرس جمهوري، وفي أبين على أنصار الشر الذين أعدوا طوال فترة الثورة كأنصار للشرعية التي كانت مزعومة آنذاك، ليتحولوا بعد أن أيقن أرباب تلك الشرعية أن شرعيتهم سقطت إلى أنصار للشر وليس للشريعة كما يحلوا لهم أن يسموا أنفسهم، فمن أمام هذه الانتصارات التي تمهد الطريق لبسط هيبة الدولة بتفعيل دور أجهزتها الرقابية والأمنية والقضائية والتي أصبح المواطن اليوم على استعداد تام بأن يكون شريكاً فاعلاً في التأسيس لدولة العدل والحرية والمساواة الدولة التي خرج لأجل إقامتها إلى الساحات والميادين لفترة قاربت العام والنصف في إصرار يعكس مدي رغبة واستعداد المواطن اليمني على امتداد الجمهورية في التضحية لأجل إقامة دولة ينعم هو وأولاده من بعده بخيراتها وبأمنها واستقرارها.
من أمام هذه الانتصارات أقف لأضع بعض النقاط التي أراها من وجهة نظر بمثابة فرص لفرض هيبة الدولة حيث تتمثل الفرصة الأولى: في أنه ينبغي على رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني إعادة النظر في الاتفاقيات الأمنية السابقة والتي على إثرها أصبحت السيادة الوطنية منتهكة تحت مبرر مكافحة الإرهاب، خصوصاً وقد تبين للقاصي والداني أن اليمن قادر بجيشه وأمنه ومواطنيه على مكافحة الإرهاب دون أي تدخلات عسكرية مباشرة لأي كان وأن اليمن لا ينقصه في معركته هذه إلا الدعم المالي والعتاد العسكري لا التدخل العسكري المباشر.. إن إعادة النظر في الاتفاقيات الأمنية السابقة يمثل في حد ذاته رسالة داخلية قوية وجادة وموجهة لكل القوي التي تريد أن تحافظ على قوتها على حساب قوة وهيبة الدولة أن عليها أن تعي أنها اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما ولها أن تختار إما القبول بالعيش تحت مظلة دولة النظام والقانون دولة المواطنة المتساوية والحرية المكفولة والعدل الذي يجب أن تسري أحكامه على الجميع دون استثناء بما في ذلك رئيس الجمهورية وكبار رجال الدولة، أو عدم القبول بدولة يجب أن تسري نظمها وقوانينها على الجميع دون استثناء مفضلين العيش في مربع المواجهة المفتوحة مع الشعب والجيش والأمن الذين سيقفون جميعاً في وجه كل من يريد دولة تفصل له على هواه ووفق أمزجته الخاصة, نعم سيقفون هذه الوقفة وفاء لدماء شهداء الثورة الذين خرجوا ينشدون دولة لا يستعلٌوا فيها أحد، ووفاء لشهداء القوات المسلحة والأمن وأبناء اللجان الشعبية الذين سطروا أروع الملاحم البطولية في مواجهة أنصار الشر رداً لاعتبار الوطن وقواته المسلحة، وفي إصرار واضح على ضرورة أن يعلم العالم أن اليمنيين خصوصاً بعد ثورتهم المباركة عازمون على إقامة دولة يخضع لسلطانها الجميع، ويأمن الشر الذي قد يأتي من جهتها أشقاؤها وأصدقاؤها وذلك ببقائها شريكاً فاعلاً في حفظ السلام والأمن الدوليين بما تمتلك من قدرات وخبرات محلية في مكافحة الإرهاب.
أما الفرصة الثانية فتتمثل في أنه ينبغي على الحكومة وبالتنسيق مع السلطات المحلية في محافظة أبين أن تعمل على ضمان عدم تجدد ظهور هذه الجماعة من جديد في المحافظة وضمان عدم تحول سلاح اللجان الشعبية إلى أداة للابتزاز والتكسب وفرض أجندة لا تخدم إلا قوى وجماعات معينة وذلك من خلال العمل على تجنيد أفراد اللجان الشعبية ليكونوا قوة أمنية تتحمل مسؤولية حفظ الأمن داخل المحافظة ولتبقي متصدية لأي أنشطة تخريبية قد تستهدف المحافظة من جديد.
الفرصة الثالثة: يستدعي بسط هيبة الدولة أن تقوم الحكومة بتوجيه السلطات المحلية في المحافظات بضرورة أن تقوم من خلال أجهزتها الأمنية باتخاذ الإجراءات القوية والرادعة في حق من يخل بالأمن في المحافظات وفي حق كل من تسول له نفسه ممارسة أي عمل قد يخل بالأمن والاستقرار، هذا إلى جانب الإقدام المباشر على فرض قانون حمل السلاح، والعمل على تحريك حملات تهدف لاستعادة السلاح الذي وزع على الناس دون وجه حق وهذا لن يتأتى إلا من خلال المعلومات التي يفترض أن تكون متوفرة لدى وزارة الداخلية عبر أجهزتها المختصة من خلال رصد من يقومون بإطلاق الرصاص الحي في الأعراس، حيث ثبت أن السلاح الذي يحيون به أفراحهم تم تسليحهم به من مخازن الجيش والأمن، وكذلك من خلال فتح غرفة عمليات لإستقبال بلاغات المواطنين عن كل من سٌلح من مخازن الدولة أثناء فترة الثورة على أن يتم إيجاد وعى لدي الناس يسهم في جعلهم يستشعرون المسؤولية في أن الأمن مسؤولية جماعية ولن يأتي هذا الوعي إلا من خلال تنسيق الجهات الأمنية مع وزارة الإعلام لتسهم بدورها من خلال التعميم على وسائل الإعلام الرسمية والأهلية بأن تفرد مساحة دعائية وإعلانية مناسبة تسهم في إيجاد وعي أمني عند المواطن يجعل منه شريكاً فاعلاً مع الأجهزة الأمنية في تحقيق الأمن والاستقرار.
الفرصة الرابعة: وتتمثل في المسارعة في إصدار باقي قرارات العزل والتعيين من وفي المناصب القيادية العسكرية والتي ستسهم في إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وبنائها على أسس وطنية سليمة يكون لها إسهامها المبكر والمباشر في بسط هيبة الدولة، وعلى أن يتم تطبيق هذه القرارات هذه المرة مباشرة ودون تفاوض أو إبطاء وذلك باستخدام خيار القوة في مواجهة كل من تسول له نفسه أن يتجرأ على رفض أو التقاعس عن تطبيق قرارات الرئيس الذي لم يعد رئيسا توافقيا يراعي عند تعييناته رضي من سيعزله بل أصبح رئيساً يمثل خيار الشعب الذي خرج يوم الواحد والعشرين من فبراير لاختياره رئيساً له على أمل أن يحقق خياراته في التغيير ويصون مقدراته، وهنا ينبغي علينا أن نشير إلى أنه يجب على الرئيس أن يعيد النظر في التعيينات الماضية، حيث ثبت أن بعض تلك التعيينات لم تكن موفقة ولا موافقة للإرادة الشعبية التي تاقت للتغيير وتطلعت له وضحت لأجله.
الفرصة الخامسة: لفرض هيبة الدولة يجب أن لا تكون الدولة حاضرة في المحفل الشعبي غائبة عن المحفل الرسمى بمعنى أنه يجب أن تفعل أجهزة الدولة الرقابية لتقوم بدورها في الرقابة على الأداء الرسمي لمؤسسات الدولة وقياداتها بهدف التخلص من المفسدين واستئصال الفساد الذي أسهم إلى حد كبير في إضعاف هيبة الدولة بل وفي انحسار نفوذها لتبقى الدولة مسيطرة على المدن الرئيسية فقط، وهذا الأمر يتطلب صرامة في محاسبة كل مسئول ثبتت إدانته، وبما يجعله عبرة لغيره وهو ما يستدعي أن تفتح الأجهزة الرقابية عيونها وبالذات خلال الفترة الانتقالية هذه التي يريد المفسدون جعلها فترة انتقامية من الوطن والمواطن من خلال ما يقومون به من نهب جنوني ممنهج ومخيف للمال العام، مستغلين انشغال الناس بالحوار والهيكلة وكل ما يتعلق بتنفيذ المبادرة الخليجية، إلى درجة أن هذه التصرفات أصبحت ظاهرة بشكل مخيف مهددة لدخل البلاد القومي في الكثير من المؤسسات الحكومية، خصوصاً تلك التي مرت عليها ثورة المؤسسات، حيث دفع الأمن القومي وعناصر النظام السابق بقيادات ركبت موجة تلك الثورات لتتمكن من الوصول إلى المناصب القيادية لتقوم بممارسة دور الفساد والإفساد والنهب المنظم للمال العام وبصورة توحي بأن هؤلاء يريدون تصوير الثورة بهذه الصورة الملطخة، كما يريدون من خلال تصرفاتهم هذه المدروسة إيصال البلاد إلى مرحلة الإفلاس مهما توفرت لها من مصادر دخل، لأن هذه المصادر ستصب في أيدي وجيوب هؤلاء وبما يجعل الجهات المانحة بالذات تنظر لليمن على أنها ما تزال تمثل قربة مثقوبة وأن الثورة لم تحقق حلم اليمنيين في التغيير حينما استبدلت سيئاً بأسوأ، ومما يحضرني وأشهد عليه ولدي ما يثبت ما أقوله أنه وعلى إثر ثورة مؤسسية أطاحت بمدير في مؤسسة من أهم المؤسسات العسكرية كان ممن ركبوا موجة الثورة شخص دفع به الأمن القومي ليتقلد منصباً رفيعاً أصبح على إثر تقلده لهذا المنصب يمارس وفق صلاحيات منحها ممارسات نهب وعبث بالمال العام إضافة إلى ما يمارس من ممارسات مناطقية حيث عمل على جلب أبناء منطقته من مختلف الوحدات العسكرية ليحتمي بهم في طريق وصوله إلى تحقيق الحلم الأعلى من الحلم الذي وصل إليه وبعقلية ما تزال تحمل تركة الماضي الذي كان يصور للناس المؤسسات على أنها ملك أشخاص لا ملك وطن، هذا على الرغم أن هذا الشخص الذي أحببت أن أستشهد به على الفساد الذي يديره الأمن القومي وبعض أفراد النظام السابق لا يملك من القدرات والمهارات والمؤهلات ما يساعده على أن يقوم بمهام المنصب الذي أهدي له وكأنهم يريدون تيئيس الناس من التغيير الذي نشدوه والذي على إثره ستصبح معايير الكفاءة والمؤهل والخبرة هي المعتبرة عند تقلد المناصب والتعيين في الوظيفة الحكومية.. نقول هذا الكلام لتستشعر أجهزة الدولة الرقابية دورها وتقوم به على أكمل وجه خصوصاً في الفترة الانتقالية هذه وليستشعر كل ثائر أنه عين الثورة في مؤسسته التي يعمل بها، فيقوم بدور رقابي يبلغ من خلاله عن أي حالات فساد تحدث، كي نضمن أن تسير ثورتنا نحو تحقيق أهدافها المنشودة وفقاً لما يلبي تطلعات الجماهير.
نجيب أحمد المظفر
الانتصارات العسكرية.. وفرص هيبة الدولة!! 2391