بقلم: سودارسان راغافان
في أنحاء جنوب اليمن ذات التضاريس الوعرة والواسعة، تثير الحملة المتصاعدة لهجمات الطائرات الأمريكية بدون طيار تعاطفا متزايدا مع متشددي القاعدة وقادت رجال القبائل للانضمام إلى شبكة ارتبطت بالمؤامرات الإرهابية ضد الولايات المتحدة.
بعد الهجمات الصاروخية الأمريكية الأخيرة، قالت الحكومة اليمنية والولايات المتحدة إن الهجمات قتلت فقط أعضاء القاعدة المشتبه بهم.
لكن زعماء قبليون وأقارب الضحايا وناشطون في حقوق الإنسان قالوا إن مدنيين أيضا سقطوا في الهجمات.
يقول رجل الأعمال سالم البركاني: "هذه الهجمات تجعل الناس يقولون (نعتقد الآن أن تنظيم القاعدة على حق)"، مضيفا بأن اثنين من إخوانه، أحدهم مدرس والآخر يعمل في إصلاح الهواتف المحمولة، قتلا في هجوم جوي أمريكي في شهر مارس.
لقد تم شن أكثر من 21 هجوما صاروخيا منذ شهر يناير استهدفت عناصر القاعدة المشتبه فيهم في جنوب اليمن، الأمر الذي يعكس تحولا حادا في الحرب السرية التي تشنها وكالة المخابرات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة التي كانت تركز على باكستان.
لكن كما هو الحال في المناطق القبلية في باكستان، حيث تمكنت هجمات الطائرات بدون طيار من إضعاف قدرات القاعدة هناك، تولدت نتيجة غير مقصودة من الهجمات حيث أصبح السكان المحليون متطرفين بشكل ملحوظ.
ظهرت الأدلة على التطرف خلال أكثر من عشرين لقاءا مع زعماء قبليون وأقارب الضحايا ونشطاء في مجال حقوق الإنسان ومسئولين في أربع محافظات بجنوب اليمن، حيث استهدفت الضربات الأمريكية المتشددين المشتبه بهم.
لقد قالوا إن هناك تحولا قويا في المشاعر تجاه المتشددين المنتمين إلى الجناح العالمي للقاعدة الأكثر نشاطا، القاعدة في شبة الجزيرة العربية.
يقول سلطان البركاني، أحد كبار مستشاري الرئيس السابق علي عبدالله صالح: "هجمات الطائرات بدون طيار لم تساعد لا الولايات المتحدة ولا اليمن. اليمن تدفع ثمنا باهظا وتخسر أبنائها. لكن الأمريكيون لم يدفعوا نفس الثمن".
عند الكشف لأول مرة عن تخويل الرئيس أوباما بشن هجوما صاروخيا في اليمن عام 2009، قال مسئولون أمريكيون إنه لم يكن هناك أكثر من 300 عضو أساسي للقاعدة هناك. وقال مسئولون يمنيون وزعماء قبليون إن هذا العدد إزداد في السنوات الأخيرة إلى 700 أو أكثر. وبالإضافة إلى ذلك، أنضم مئات من رجال القبائل إلى القاعدة في شبة الجزيرة العربية في حربها ضد الحكومة اليمنية المدعومة من الولايات المتحدة.
مثلما تتنامى أعداد وقدرات القاعدة في شبة الجزيرة العربية، تزداد مساحة وصولهم وتصميمهم. لقد أنعكس ذلك في الهجوم الانتحاري الذي وقع الأسبوع الماضي في صنعاء، والذي أودى بحياة أكثر من 100 شخص، معظمهم من الجنود اليمنيين.
على مواقعهم على الانترنت وصفحاتهم في الفيسبوك ولقطات الفيديو، يصور المتشددون، الذين كانوا قد ركزوا قتالهم ضد الحكومة اليمنية، الآن الحرب في الجنوب بأنها جهاد ضد الولايات المتحدة، مما قد يمكنهم من جذب المزيد من المجندين والتمويل من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
المواقع القبلية اليمنية على الانترنت أصبحت مملوءة بمواد دعائية للقاعدة، منها التباهي بقتل الأمريكيين.
يقول محمد الأحمدي، المنسق القانوني لمنظمة الكرامة المعنية بحقوق الإنسان: "في كل مرة تزداد الهجمات الأمريكية، يزداد غضب الشعب اليمني، خصوصا في المناطق التي تسيطر عليها القاعدة. الطائرات بدون طيار تقتل زعماء القاعدة، لكنها أيضا تحولهم إلى أبطال".
حملة التصعيد
لقد دافع جون برينان، مستشار أوباما لشؤون محاربة الارهاب، علنا عن استخدام هجمات الطائرات بدون طيار، بحجة أن دقتها تسمح للولايات المتحدة بالحد من الخسائر في صفوف المدنيين وتقلل المخاطر بالنسبة لأفراد الجيش الأمريكي.
ويقول إن أي قرار لإطلاق صاروخ من طائرة بدون طيار يتم اتخاذه بـ"عناية واهتمام غير عادي".
يقول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي تومي فيتور إن إستراتيجية الإدارة الأمريكية لمكافحة الإرهاب في اليمن "تقوم بتوجيه الرأي القائل بأن علينا القيام بما هو ضروري لإحباط مؤامرات القاعدة في شبة الجزيرة العربية ضد المصالح الأمريكية"، ولمساعدة الحكومة اليمنية في بناء قدراتها لمحاربة القاعدة في شبة الجزيرة العربية.
وقال فيتور: "في حين أن قوة القاعدة في شبة الجزيرة العربية زادت على مدى العام الماضي، فإن كثير من انصارها هم من المتشددين القبليين أو من الأنصار الذين يتعاونون مع القاعدة من أجل ذاتهم والمصالح الشخصية بدلا من التقرب إلى الفكر العالمي للقاعدة. أما بقية المتشددين، أعضاء القاعدة الأساسيين، فهم نسبة صغيرة في التنظيم".
لقد جاء التصعيد الكبير في هجمات الطائرات بدون طيار في اليمن بعد إفشال مؤامرات للقاعدة في شبة الجزيرة العربية تستهدف تفجير طائرة ركاب أمريكية متجهة إلى ديترويت في عام 2009 وإرسال الطرود المفخخة عبر طائرات شحن إلى شيكاغو في العام التالي. وفي أبريل الماضي، ساعد عملاء للمخابرات السعودية في إحباط مؤامرة للقاعدة في شبة الجزيرة العربية لزرع انتحاري على متن طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة.
وفي 6 مايو، قتلت هجمة لطائرة أمريكية بدون طيار فهد القصع، أحد كبار قادة القاعدة الذي كان على قائمة مكتب التحقيقات الفدرالي لأهم المطلوبين لدوره في تفجير المدمرة الأمريكية كول في عدن عام 2000، الهجوم الذي أسفر عن مقتل 17 بحارا أمريكيا.
كما قتل هجوم الطائرة بدون طيار في محافظة شبوة رجل آخر، وصفه مسئولون أمريكيون ويمنيون بأنه متشدد آخر في القاعدة. لكن وفقا لأقاربه، فإن الرجل كان عمره 19 عاما ويدعى ناصر سالم وكان متجها إلى مزرعته عند وصول القصع في إحدى السيارات.
وكان القصع يعرف أسرة سالم وكانوا يرحبون به عندما سقط الصاروخ.
يقول عم سالم، الجندي أبو بكر عيدروس، 30 عاما: "لقد تمزق إربا إربا. لم يكن من القاعدة. لكن وفقا للمعايير الأمريكية، فإن يستحق الموت مع القصع لأنه يعرفه".
وبسبب غضبه، يقول عيدروس إنه ترك وحدته في الجيش بمحافظة أبين التي تقاتل المتشددين هناك. وبدلا من محاربة القاعدة فهو اليوم يتعاطف مع المجموعة، وكما يقول ليس دعما لأيديولوجية القاعدة لكن لكراهيته للولايات المتحدة.
المزيد من العداء تجاه الولايات المتحدة
يقولزعماء قبليون ومسئولون يمنيون إن الضربات الأمريكية تثير أيضا غضب القبائل القوية التي يمكنها الحيلولة دون اكتساب القاعدة في شبة الجزيرة العربية مزيدا من القوة.
لقد سيطرت القاعدة على مساحات واسعة من جنوب اليمن في العام الماضي، في حين كانت الحكومة مضطرة لمواجهة التصورات المتزايدة بأنها لا تعدوا أكثر من دمية في أيدي الأمريكيين.
يقول أنصاف مايو، قيادي في حزب الإصلاح الإسلامي الأكثر نفوذا في اليمن: "هناك الكثير من العداء ضد الولايات المتحدة لأن الهجمات لم توقف القاعدة وإنما جعلتهم يتوسعوا والقبائل تشعر بأن الهجمات تشكل انتهاكا لسيادة البلاد. أصبح هناك قبول نفسي للقاعدة بسبب الهجمات الامريكية".
القصع وسالم هما من قبيلة العوالق، وهي إحدى القبائل الأكثر نفوذا في جنوب اليمن. وهي قبيلة أنور العولقي، الداعية اليمني-الأمريكي الذي كان يُعتقد بأنه زعيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية وقُتل في سبتمبر الماضي بضربة أمريكية. وفي أكتوبر، قتلت ضربة أمريكية أخرى نجل العولقي، عبدالرحمن 16 عاما، وهو أيضا مواطن أمريكي، مما اثار غضبا في جميع أنحاء اليمن.
هناك من العوالق من هم رجال أعمال وبرلمانيون وسياسيون. لكن الضربات الجوية دفعت الكثير منهم للانضمام إلى المتشددين أو توفير الملاذ الآمن في مناطقهم للقاعدة في شبة الجزيرة العربية.
يقول عيدروس: "الأمريكيون يستهدفون أبناء العوالق. أنا سأحارب حتى الشيطان للثأر لأبن آخي".
وفقا لمسئولين يمنيين فإن صواريخ أمريكية ضربت في أوائل مارس محافظة البيضاء الواقعة على بعد 100 كيلومتر جنوب صنعاء، مما أسفر عن مقتل على الأقل 30 متشددا مشتبه بهم. لكن مدافعون عن حقوق الإنسان وأقارب الضحايا قالوا إن الكثير من القتلى كانوا من المدنيين وليسوا متشددين.
وكان القرويون خائفين جدا من الذهاب إلى المنطقة المتستهدفة. متشددوا القاعدة استغلوا ذلك، حيث عرضوا على القرويين دفن أقاربهم القتلى
وقال رجل الأعمال البركاني: "هذا جعل الناس ممتنين ومقدرين أكثر لتنظيم القاعدة. بعد ذلك، قالت القاعدة للناس (نحن سننتقم نيابة عنكم)".
وفي تأكيد مسئوليتها عن التفجير الانتحاري في صنعاء، أعلنت جماعة أنصار الشريعة بأن الهجوم كان انتقاما لما وصفته بالحرب الأمريكية على اتباعها.
وفي الأسبوع الذي سبق التفجير الانتحاري، قال زعيم القاعدة أيمن الظواهري في تسجيل مصور إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي تولى منصبه في فبراير الماضي وتعهد بمحاربة القاعدة في شبة الجزيرة العربية، هو مجرد عميل للولايات المتحدة.
في بعض الحالات، الضربات الأمريكية أجبرت المدنيين على الفرار من منازلهم ودمرت البيوت والأراضي الزراعية.
يقول محمد ناصر عوض، 57 عاما، إنه وأسرته فروا من مدينة جعار الصيف الماضي بعد مقتل ابنه في غارة أمريكية استهدفت مشتبه بهم من متشددي القاعدة.
واليوم هم يعيشون في أحد الفصول بمدرسة في عدن، جنبا إلى جنب مع مئات من النازحين الآخرين من الصراع.
وقال عوض: "لم يكن لأنصار الشريعة أي علاقة بموت أبني. لقد قتله الأمريكيون. ولم يكن له علاقة بالإرهاب. فلماذا قتلوه؟"
ولم ينسى أي يمني الضربة الصاروخية الأمريكية في منطقة المعجلة النائية في 17 ديسمبر 2009، وهي أول ضربة صاروخية معروفة لإدارة أوباما في اليمن. الضربة أسفرت عن مقتل العشرات، من بينهم 14 أمرأة و21 طفلا وأثارت الحنق ضد الولايات المتحدة.
يقول عبدالعزيز محمد حمزة، رئيس المجلس الثوري في محافظة أبين، وهي مجموعة تقاتل القاعدة في شبة الجزيرة العربية، إن المنطقة اليوم أصبحت ملاذا للمتشددين.
وقال: "جميع سكان المنطقة انضموا لتنظيم القاعدة".
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية
الهجمات الجوية الأمريكية تولد الغضب والتعاصف مع القاعدة في اليمن 3240