غضبنا في العام الماضي وقامت ثورة سلمية، خف الغضب رغم أن الأهداف لم تتحقق جميعها، الذي تحقق لم يكن بمستوى الطموح أو بالكيفية التي يريدها الشعب.. لماذا خف الغضب إذن..؟ هل انتهى كل شيء..؟ هل استقامت أمورنا وارتحنا؟ لا ينبغي أن نسكت فنحن من نقرر إذا ما كنا سنهدأ أو تتواصل الثورة على كل سلبي، كل ما هو فاسد، غير لائق، غير إنساني.. وبمناسبة إنساني، فنحن الشعب الوحيد الذي يتحمل كل ما هو غير إنساني ويسكت!! لماذا؟ لأن حكامنا السابقين واللاحقين عودونا على انتهاك الكرامة الآدمية كجزء من ثقافة تأديب الحاكم لعياله.. ظلت هذه الثقافة وما زالت تنال من آدميتنا ومن إنسانيتنا حتى اليوم والدليل السجون المليئة بالأبرياء وأقسام الشرطة التي تسلخ المواطنين كل يوم والمحاكم التي تؤجل القضايا لصالح طرف دون الآخر، أما انتهاكات وتعسفات العمل فحدث ولا حرج، فلا قانون فوق الفاسدين.. لذلك ظل المواطن وظللنا جميعاً داخل الوطن وخارجه وفي نفوسنا عقدة الحاكم وحقوقه التي لا حدود لها وأهمها حقه في سحق كرامتنا..
ليس هذا فحسب بل وصلت صورتنا السلبية إلى دول الجوار والتي بموجبها تعامل اليمني الداخل إلى أراضيها بصورة شرعية بشكل غير لائق، كما أنها تعامل المتسلل بصورة غير شرعية بلا إنسانية! ولأنهم - أي دول الجوار - يعلمون أن الحكومة اليمنية تفضل علاقة الأخوة غير المتكافئة علي أي شيء آخر وأي موضوع يعكر صفو هذه العلاقة لن يناقش ولن يثار.. من يعطنا إذا ما زعل الأشقاء؟ من يدعمنا ويرسل لنا بالغاز والجاز والطحين..؟ إنها علاقة أزلية إلى يوم الدين.. لأن حكومتنا لا تعرف الاعتماد على مواردها وإن كانت شحيحة، لا تعرف توظيف كل ما هو متاح للنهوض باليمن، لا تفكر جيداً في وضع خطط وبرامج تحد من الفقر إلا وفكرت في دعم الأصدقاء والأشقاء!.. لذلك نحن نرهن أنفسنا وبلادنا للآخرين وهذه سياسة حكامنا السابقين واللاحقين وبالتالي ما يحدث لمواطنينا في المملكة العربية السعودية هو تكملة للعلاقات الأخوية وتعامل طبيعي مع الشخصية اليمنية التي تستحق كل هذا السوء وهذه الكرامة المهدرة..
أحدهم علق قائلاً: (إذا كان عنده كرامة ما كان تسلل للحدود) ترى هل هذا ذنبه.. إذا أفقرته سياسة الحكومة وفسادها.. أهذا ذنبه عندما لم يوفر له عمل ولا تعليم، ولا ضمان اجتماعي ولا مسكن مناسب ولا توعية ولا ... الخ؟ هل هذا ذنبه؟.. لا أعتقد، الكرامة والمسؤولية هي التي جعلته يبحث عن لقمة عيشه ولو بالمخاطرة والسير نحو الحدود.. لا يتهرب بالحدود إلا الشجاع وهذا لا يعني أنني مع تهريب البشر.. أبداً فقط أتحدث عن شخصية المواطن اليمن الذي يضطر إلى التسلل عبر الحدود لدخول المملكة العربية السعودية.. يعلم ما سيلاقيه وربما يسجن، يعذب، يموت، لكنه يفعل من أجل مسؤولياته التي يتحملها ولن يتخلى عنها إلا بالموت.. ولأن كرامته لا تسمح له بالبقاء عاطلاً، متسولاً أو مجرماً، فإنه يقوم بالخيار الثاني وما أصعبه..
كثير من اليمنيين يواجهون المشاكل في رحلة بحثهم عن العمل في السعودية سواء بصورة شرعية أو غير شرعية ومؤخراً تم قتل عدد من اليمنيين في السعودية وأودعت جثثهم الثلاجة.. فعملية دفنهم تستدعي حضور ولي الأمر وإخضاعه للتنازل للسماح بدفن الجثة ودفع مبلغ لا أرى كم هو.. وأخذ الجثة إلى اليمن يحتاج إلى مبلغ وقد لا يسمح بدفنه وقد يفتح تحقيق جديد..!!.
أليست مأساة أن يقتل أحد من أقربائك عمداً وغريمه يسرح ويمرح، وترغم على مكافأته بالتنازل وتدفع مبلغاً ليسمح لك بدفن الجثة هناك وتعود بكرامتك المهدرة وروحك المنكسرة وعقلك الضائع ونفسك المتقطع لتقول لأهلك (الحمد لله دفناه)؟!.. عدد من الجثث اليمنية في الثلاجة والحكومة لم تتخذ أي إجراء والعلاقات بين البلدين في أحسن حالاتها..
من يهن يسهل الهوان عليه.. أرجوكم كفانا بهذلة..
محاسن الحواتي
الكرامة اليمنية المهدرة..!! 1961