سأخاطب بكلماتي هذه صفوة الناس في هذا المجتمع، قادة الرأي وحٌداة التغيير، أرباب العلم وصٌناع التأثير، مبددي الجهل ودعاة التنوير، إليكم أيها الكرام من معلمين وخطباء وكتاب وصٌحفيين، يا من أجدتم أحسن صِنعة إنها صِنعة بناء وتشكيل وتوجيه العقول، نفسي وإياكم أذكر، وإليكم بسيري أقصد، تعلمون أن سر رقي الشعوب وأساس نهضتها الفهم، والمعرفة الذهنية المنظمة والمرتبة، فالفهم ينموا بالعلم والعلم أساسه القراءة وسعة الإطلاع، والمعرفة الذهنية لا تنتظم ولا تترتب إلا بمعرفة الإنسان لنفسه وما يمكن أن يجيده ويتخصص فيه، وبالتالي يستطيع التفريق بين الأهم والمهم، بما يعني أن تنظيم وترتيب المعرفة الذهنية لا يتم إلا بتصحيح التصورات ورسم الخرائط الذهنية الذكية، نقول هذا ونذكر به لأننا وجدنا أنه ما أرتقي شعب من الشعوب إلا حينما خطي خطواته للرقي، بخطط ساسته وتنظير مفكريه وقادة الرأي والتأثير فيه، وذلك حينما وضحت تصوراتهم لما يريدونه ويراد منهم، ليخرجوا من واقع كبل القدرات وقضي على الأمنيات، وجمد المهارات، وذلك حينما تشربوا بقناعة مفادها أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، هنا وجدوا أنهم مطالبون بتحريك حاسة الفهم عند المجتمع من خلال إيجاد الخطط وممارسة التنظير الذي يدفع بالمجتمع نحو التحصيل العلمي النظامي والذاتي لينمو ويتوسع الفهم في المجتمع والذي هو رديف أساسي ومهم لتحقيق أي رقي منشود, كيف لا والعلم والقراءة الذاتية كفيلان بتنمية القوى العقلية عند الأفراد، وكفيلان أيضاً بتقوية الروابط الفكرية بينهم وبما يمكنهم من الاستفادة من تجارب الآخرين وخبراتهم، وبما يجعل المجتمع يتصل بالنتاج الفكري الإنساني من حوله.
إن من الأسباب الرئيسية لتخلف العرب والمسلمون هو عزوفهم عن العلم، وإذا تعلموا اكتفوا بما لديهم، فتراهم وقد تركوا القراءة، الأمر الذي جعلهم متقادمين مبهورين بما يتحقق للشعوب من حولهم من تقدم ورقي، والحقيقة أن وراء عزوف الكثير من العرب والمسلمين عن القراءة والإطلاع هو ضعف ارتباط هذه الأمة بماضيها وبصورة جعلت هذا الصنف من الناس يعيش مكتفاً مسلوب الإرادة لا يحمل هماً ولا يتوق لمجد ولا يسعي لبناء حضارة، والأشنع من هذا أن برز صنف من الناس من أبناء المسلمين للأسف ليصف ماضي المسلمين بالتخلف والرجعية دون أي دراية أن المسلمين في ماضيهم بنوا حضارة أبهرت الشرق والغرب، شهد ويشهد لها إلى اليوم المنصفون من أمة الغرب ممن توصلوا إلى حقيقة أنه لولا العرب والمسلمون الذين أخذ عنهم الغرب مختلف العلوم والفنون التي زخرت بها بلدانهم وجامعاتهم يومها ما قامت للغرب حضارة.
إن مما زهد العرب والمسلمين اليوم في العلم والتعلم النوعي والتزود من القراءة والإطلاع بشكل يومي هو ضياع أوقاتهم وإنعدام العناية بترتيبها بسبب التيه المستحكم الذي على إثره غرقت اهتمامات شباب الأمة في توافه الأمور، فانشغلوا بها عن العظائم، خير شاهد على هذا ما نراه اليوم من انقسام شباب الأمة في التشجيع وليس في اللعب إلى فريقين، قسم مع الريال وقسم مع برشلونة وبصورة أوصلت البعض لأن يقاتل ويبكي في سبيل فريقه الذي يشجعه، سامحوني إن قلت أي سخافة هذه وأي اهتمامات هذه؟ إن هذا المشهد المؤلم ذكرني بمقولة رائعة كتبت وانتشرت على صفحات الفيسبوك تقول المقولة: قديماً بكى المسلمون لسقوط الأندلس واليوم شبابهم يبكون لهزيمة برشلونة، إن هذا التيه كان نتاجاً طبيعياً لغياب المعرفة بالهدف وطرق اختياره وتحديده عند الشباب، وهو ما نعول اليوم على قادة الرأي في المجتمع والذين أشرت لهم وحددتهم سالفاً ممن نكتب لهم هذه الكلمات أن يضطلعوا بدورهم في توجيه الناشئة التوجيه الصحيح من خلال الارتقاء بالأساليب والطرق التعليمية والتي من شأنها أن تحفز الشباب ليقبلوا على تعلم وقراءة المفيد النافع، ومن خلال تهديف مضمون ما يقال ويكتب وينشر في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام عموماً، ليكن ما ينشر نتاجاًَ لمعرفة بإحتياجات المخاطبين ونتاجاً لقراءة مستمرة وواعية في بطون الكتب، هذا بالإضافة إلى الحاجة الماسة للبحث عن برامج نافعة توجه للمجتمع عبر وسائل الإعلام تبني القيم وتصحح التصورات وتنمي القدرات وتوظف المهارات، وذلك لننتقل إلى مرحلة الإعلام الرسالى الذي يسهم في تحقيق الرقي للمجتمع في شتى مجالاته الحياتية.. إن مهمة قادة الرأي والتأثير في توجيه المجتمع التوجيه الواعي من أشرف وأنبل المهام التي قد تدخل صاحبها التأريخ من أوسع أبوابه، لأن الكلمة سهم قد تصيب وقد تخطئ، قد تبني وقد تهدم، قد توقف وقد تحرك، قد تحيي وقد تقتل، قد تنصر وقد تهزم، فهلا خطونا بالمجتمع خطوات نحو الرقي المنشود.. هي دعوة إلى تحرير الخطاب الإعلامي بالذات ليسهم في السير بالمجتمع على طريق النهضة.
نجيب أحمد المظفر
لنرتقي بالجماهير 2132