في الحادي والعشرين من فبراير القادم سـيطل علينا رجل يختزل بصمته وهدوئه بقايا الحكمة المتوارثة من أجدادنا الأوائل قوم عاد وثمود. إنه عبدربه منصور هادي أول سياسي عربي يحظى بتوافق إقليمي ودولي على ترشيحه لمنصب رئيس الدولة في بلد تعيش أسوأ مراحل تاريخها السياسي.
إذ يعتقد البعض أن ترشيح هادي لمنصب الرئيس جاء فقط بمقتضى، كونه نائباً للرئيس وفي هذا الاعتقاد مجافاة واضحة للصواب.
فالتوافق الإقليمي والدولي على الرجل جاء بناء على أهليته لقيادة البلد وليس بحسب موقعه، والأهم من هذا كله أن منصور هادي يمتلك خبرات كبيرة في إدارة الأزمات والتواصل مع أطراف الصراع فقد لعب الرجل دورا محوريا بين فرقاء أحداث 86في الجنوب ودخل بعدها في حوار مع سلطة صنعاء وها هو اليوم يلعب دوراً محورياً في غاية التوازن بين الحزب الحاكم وأحزاب المشترك وبين الرئيس السابق ومناوئيه.
لذلك تعتبر الانتخابات الرئاسية أشبه باستفتاء شعبي على اختيار عبد ربه والحل السياسي على لأزمة البلد الراهنة.
لقد أوجز أحد المهتمين العرب تصوره عن مستقبل اليمن بمقابلة صحفية الأسبوع الماضي بقوله: "مستقبل اليمن يتوقف على وعي أبنائه"،ومن منطلق هذا التصور الموضوعي يجدر بنا أن نشير إلى أن موعد الانتخابات الرئاسية سيكون بمثابة معيار اختباري للوعي اليمني،فهل سيدرك اليمنيون أهمية الانتخابات الرئاسية؟وهل سيشاركون فيها أكثر من أي وقت مضى نظراً لأهميتها؟ وهل سيدرك اليمنيون في الشمال والجنوب أهمية الرئيس القادم لإدارة البلد في المرحلة الراهنة؟وهل أصبحنا نعي شروط أمن اليمن واستقرارها وهل نجيد الانتصار لمصالحها؟ أسئلة كثيرة ستتضح إجاباتها الشافية عشية الحادي والعشرين من فبراير.
فمن المعلوم لدينا والمسلم به من قبلنا جميعاً أن البلد حالياً تمر بأزمة سياسية خانقة وغالبية السياسيين المتربعين على صدارة المشهد ليسوا أكثر من صناع أزمات، لكن ميزة اليمن الخفية أنها تدخر خيرة رجالها لاحلك أوقاتها رغم قلتهم وشحة التاريخ بهم، إنها اليمن كما خبرها وأجاد في وصفها الشاعر عبد الله البردوني بقوله: لكنها رغم بخل الغيث ما برحت حبلى وفي بطنها قحطان أو كرب.
اليمن بلد آهلاً بالخير، لكن مشكلة اليمنيين تكمن في وعيهم ولا تعزى إلى طبيعة الأرض، فالبلد تمنح أبنائها إمكانات السعادة والاستقرار وهم يجلبون لأنفسهم وأجيالهم الشقاء والويل،ومازال اليمنيون يضربون أصقاع الأرض في متاهات الاغتراب جيلاً بعد جيل منذ أن قال أجدادهم الأوائل "ربنا باعد بين أسفارنا " وأكثر ما نخشاه أن تظل لعنة التاريخ تطاردنا عبر الأجيال أو أن نعجز عن الخروج من شرنقة الماضي البائس.
إن الحديث عن تاريخ بؤس وعي الإنسان اليمني الفاعل في مشهد الحياة العامة هو حديث عن تاريخنا الأهم، والعودة بالذاكرة الكتابية إلى التاريخ ليس ترفاً وإنما هي مخاوفي الكامنة أثارتها توصيات ونتائج مؤتمر بيروت المعلنة منتصف الشهر المنصرم، إنه مؤتمر أشقياء اليمن إن جاز لنا التعبير.
إذ أكد المشاركون فيه أنهم يرفضون المبادرة الخليجية باعتبارها الحل السياسي ويعتزمون مقاطعة الانتخابات الرئاسية المبكرة، إنهم يرفضون خيارات الحلول السلمية في البلد.
مثل تلكم التوصيات المريعة تجعلنا نستحضر للمرة الألف مشاهد البؤس من تاريخ اليمن السياسي ونضعها نصب أعيننا،حتى لا نظل عالقين في قشرة ماضينا متحججين بذرائع واهية تعيق تحولنا نحو المستقبل.
وأجدني هنا ملزماً بالاهتمام في نتائج مؤتمر بيروت وإن كان لا يمثلنا، لكنه جزء منا، ومهما كانت الاختلافات بيننا وبين إخواننا المشاركين فيه، إلا أن المؤتمر إياه اكتسب مشروعية كونه يناقش قضايا اليمن ومن قبل يمنيين.
لكن يبدو للأسف الشديد أن الراعي الإقليمي للمؤتمر ممثلاً بمرجعيات الدولة الإيرانية،قد بالغ في استغلال رعايته الإقليمية للمؤتمر واستغل قوة حاجية المشاركين فيه وضعف وازعهم الوطني وجندهم ضد مصالح بلدهم بشكل علني سافر، بل إن دولة إيران بغبائها الفارسي المعهود حولت المؤتمر من مؤتمر يخدم اليمن واليمنيين إلى مؤتمر إشهار لأجندة العبث الإيراني في اليمن.
لكننا مازلنا نأمل من إخواننا المشاركين في مؤتمر لبنان إعادة النظر في مواقفهم من الانتخابات الرئاسية، ومن المبادرة الخليجية بشكل عام،فاختلافنا مع بعضنا لا يبرر رفضنا للمبادرة وآليتها التنفيذية، ومحاولة إفشال الانتخابات الرئاسية هو حالة تعمد إفشال استقرار وأمن اليمن، لأن إفشال الانتخابات الرئاسية يشرعن لبقاء حالة الانقسام المهيمنة على بيئتنا السياسية والأمنية، حتى تبقى اليمن مسرحاً مفتوحاً لدراما العبث الإيراني في المنطقة، وبموجبه سيصبح اليمنيون أشبه بمرتزقة يحاربون بالوكالة عن الآخرين في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
ومن الغباء أن نواصل مهمة استحضار الشقاء والبؤس، معتبرين إياه موروثاً سياسياً مجدياً، فقديم أقدم أشقياء ثمود على عقر ناقة نبيهم صالح مع أنها دالة حكمته وهم كانوا في أمس الحاجة إلى حكمة صالح، فهل يقدم أشقياء اليوم على عقر ناقة حكيم ثمود (عبدربه منصور هادي) ونحن وإياهم في أمس الحاجة لحكمة الرجل ورئاسته؟.
Alsfwany29@yahoo.com
فيصل الصفواني
حكيم ثمود وناقته الانتخابية 2038