منظمات المجتمع المدني في بلادنا متهمة بأنها منظمات نخبوية أي أنها تأسست في المدن ومؤسسوها هم من نخبة المدن وليسو من الريف ولا تخدم أبناء الريف وأسرهم.. انتقائية، وهذا اتهام آخر أي أنها تتنقى قضاياها والمستهدفين والنطاق الجغرافي، هذه المنظمات قد يكون لها مبرراتها المنطقية لإستراتيجية عملها، لكن تظل فاعلة في إطارها وإلى حد كبير في قضايا حقوق الإنسان والعنف ضد الأطفال والمرأة، كما أنها قطعت شوطاً في التنوير بالحقوق المدنية وقضايا الحريات العامة والدفاع عنها.. لكن السؤال الجائز هو كيف لنا كمجتمع أن نحرز كل هذا التقدم في الديمقراطية وفي حقوق الإنسان والدفاع عنها ونحن مازلنا متسامحين مع الفوضى وعدم النظام؟ مازلنا نرمي بمخلفاتنا على الطريق العام وما زال الناس يقضون حاجتهم في الشارع وأمام بعضهم دون حياء؟ مازلنا نتعامل بعدم احترام مع بعضنا وما زلنا أقل إنسانية مع ذوي الاعاقات والاجتياحات الخاصة والمعدمين والمتسولين وأطفال الشوارع؟ مازلنا ندفع الرشوات وندافع عن الباطل ونأكل الحرام؟ مازلنا مجتمعاً عنصرياً رغم دفاعنا عن حقوق الإنسان؟
ألم يأن لمنظمات المجتمع المدني أن تؤجل مشروعاتها وقضاياها لنعمل على تغيير سكوت المجتمع وأفراده.. لتغيير نمط الحياة، اليائس الذي نعيشه ونعتقد بأنه هو "الصح" مع أننا نسير في اتجاه كله غلط؟ من خروجك من بيتك كمواطن وحتى تعود، كم من المخالفات والحماقات ترتكب؟ كم من سلوك سلبي تغترف؟
دعونا هنا نمشي مع مواطن نصف متعلم، موظف حكومي يسكن في بيت إيجار، يعول أسرة متوسطة الحجم.. خرج من منزله وهو مكشر لا صبوح ولا شاي قائمة من الطلبات تستقر في سمعه، يحمل رجليه وفي الطريق من البيت إلى محطة الباص يبصق مراراً ويتمخط "يسعل" يخرج ما في جوفه في قارعة الطريق.. يقف حزيناً إلى أن يأتي الباص، يرمي بنفسه على الكرسي، يبدأ يدخن سيجارة مؤذية الآخرين، يحتج الركاب، يرد عليهم (اللي ما يعجبه الدخان يركب تاكسي) يصب جام غضبه على الركاب ويفتعل مشكلة من العدم.. ينزل في أقرب نقطة لمكان عمله يمشي ويدلف إلى البوفيه (هات فاصوليا وأربعة روتي وواحد شاي) يرد صاحب البوفيه (حسابك كثير) يرد الموظف (خلاص هات سندوتش جام وجبن وواحد شاي).. يتصايح مع صاحب البوفيه الذي طلب حسابه قبل نهاية الشهر، يخرج صوب مكتبه يجد أحد المواطنين لاستكمال معاملته، يبحث الموظف عن الأوراق داخل الدرج بلا هدف ثم يلتف للمواطن قائلاً (تعال غدوة لأن المعاملات في مكتب الوزير) يترجاه المواطن (يا ولدي عند الله وعندك شوفها ثم يخبئ له في الدرج ألف ريال) يقوم الموظف بهمة ليستكمل المعاملة بنفسه، يأتي مواطن آخر وهكذا في طريقه للبيت يشتري احتياجات أسرته ولا ينسى ربطة القات، يخزن ويتحدث عن السياسة مع زملاء عمله أو جيرانه المهم شلة الجلسة..
في المساء يخرج (يلوي) أو يتمشي يؤذي بلسانه السيء كل امرأة في الشارع وأخريات يبادلنه السب والشتم وأخيراً يرمي ما بفمه من قات على (الأسفلت)، يمضمض ويبصق في قذارة ما لها مثيل وهكذا كل يوم أسوأ من سابقه.
ترى أليس من الأهم أن تبدأ منظمات المجتمع المدني بتغيير سلوكيات البشر، والنمطية السيئة التي يقدم عليها المجتمع المدني والذي يعتقد أنه مجتمع سليم ومعافى؟ أبداً إنه مجتمع ملئ بالأمراض الاجتماعية من تأرات، استقلال للسلطة والمناصب، إيذاء الماري في الشوارع رمى القذوات في غير أماكنهاو.....الخ.
ندعو كل منظمات المدني النظر إلى الوحل الاجتماعي الذي نعيشه، والعمل من أجل مجتمع جديد متعافٍ وقوي، فالتقدم في الحقوق لا بد أن يصاحبه تقدم في أداء الواجبات تجاه الناس والمجتمع والشارع والعمل و...الخ.. ولتطرقوا التغيير من الداخل وسوف تندهشون للنتيجة..
محاسن الحواتي
من مسؤولياتهم.. 1720