لاسمه رنين خاص، ووقع جميل على النفس، ولكتاباته مذاق غير، يجبرك على أن تقرأ له، وتستمتع بما يجود به قلمه، بعد أن أجاد تطويع الحرف في بلاط صاحبة الجلالة، منذ أن نذر نفسه "ناسكاً" في محراب الكلمة الأولى، مجاهدا لها عن الميل في أهواء وملذات ومغريات جمة، أحاطت بالكلمة كإحاطة السوار بالمعصم، وأقامت لها مزاد علني تساقطت على أبوابه وبين جنباته أقلام عديدة بشخوصها غير السوية.
بينما التساقط حاضرا مستمر، أعداد ضحاياه في ازدياد، كان هو قد حجز لقلمه مكانا في سوق "عكاظ"، حيث يتبارى "النبلاء"، متباهين بإنتاجهم، بأعناق تطاول السماء.
تفوّق على أقرانه، وحجز له مكانة مميزة في قلوب القراء والمتابعين وأصحاب الشأن في الحقل الرياضي المليء بالأشواك والألغام، فكلما ازداد نجاحا، ازداد تواضعا وبساطة، لم يكن لـ"النفس الأمارة بالسوء" حضورا لديه، ولا لـ"الذات المتضخمة" أدنى فاعلية، حيث أمسك بتلابيب "الزهد" وجعل لنفسه رداءً منه، و حط بين يديه "التواضع" رغم هالة الشهرة التي أحاطت بشخصه وبقلمه.
حين تجلس معه، لا تسمعه "يلمز" هذا أو "يغمز" ذاك من زملائه، أو يضع لنفسه مكانة تفوقهم، أو يدّعي الشهرة، وهي التي تلقي بظلالها عليه حيثما ولّى، على النقيض من هذا كله، تجده يحترم الجميع ويثني عليهم وأن اختلف معهم، ولا يبخل بتقديم النُصح.
"المرض" نال منه مؤخراً، ليس مرض الكِبر والخيلاء، ولا داء التعالي والزهو، لكنه مرضا أصاب جسده النحيل، وأجبره على الابتعاد عن محرابه، وهو ابتعاد المُضطر، لينشغل بالتردد على أهل الطب، مؤمنا بأن طريقهم مجرد سببا للشفاء الذي هو بيده الله عز وجل دون سواه.
لم يتوسل أحدا في محنته التي أُبتلي بها، لا زميل حرف ليكتب عنه، ولا مسئول ليجود عليه بما شاء، ولم يختر ورق الصحف ليشكو من تجاهل وإهمال "ذوي القربى"، توسله الوحيد كان لمن بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، لإيمانه بأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه.
"المرض" والإهمال والتجاهل، وأشياء أخرى لم تنل من معنوياته شيئا، بل فتحت عينيه أكثر على حقيقة "الوطن" الذي ليس فيه كرامة لأبنائه، ولقيمة "التضامن" كفعل إنساني نبيل طُمس من قاموس "البعض"، وغاب عن البعض الآخر تحت وقع تبريرات "زحمة الحياة".. لك صديقي الحبيب "محمد علي العولقي"، دعواتي بالشفاء العاجل.
شفيع العبد
وجع الكروان!! 1445