تقارير اقتصادية عديدة أشارت إلى أن فجوة الغذاء العربية وصلت في عام 2010م إلى 27 مليار دولار، وقد تجاوز إلى حوالي "44" مليار دولار عام 2020، حيث أن الاكتفاء الذاتي العربي من الغذاء لا يتعدى 50% من حاجات السكان، أي أنه يتوجب استيراد النصف الآخر من الخارج.. هذه معطيات تعكس نتائج اجتماعية، سياسية واقتصادية ذات منحى سلبي خطير على كافة المجتمعات العربية، هناك عوامل موضوعية لفجوة الغذاء العربية لعل أبرزها النمو الديموغرافي، أي ازدياد عدد السكان بشكل كبير، خاصة في العقود الأخيرة، وهو ما رفع الحاجة إلى الغذاء ومجمل المتطلبات المتصلة به، خصوصاً في مجال المياه، عامل آخر يتصل بالكلفة العالية للإنتاج الزراعي بالنظر إلى ارتفاع الأسعار عالمياً وارتفاع كلفة الحبوب التي شكلت مصدر النقص الأساسي في حاجات السكان وهناك أسباب فعلية للفجوة تتمثل في السياسات الداخلية الاقتصادية للأنظمة العربية ومسؤوليته في هذا الجانب نتيجة لأن السياسات الزراعية لا تحتل الأولوية في توجهات السياسة الاقتصادية لمعظم الأقطار العربية، يتضح ذلك في ضعف الأموال المرصودة لتطوير القطاع الزراعي من المظاهر الدالة على ذلك، عدم استصلاح الأراضي لزيادة المساحات الصالحة للزراعة وعدم تشجيع العاملين في هذا القطاع على البقاء في أرضهم والعمل في الزراعة من خلال تقدم العون والدعم للسكان سواء في الاستصلاح وتخفيض الكلفة أو التصريف، عدم إيلاء قضية تأمين المياه للري الاهتمام اللازم، كونها عنصراً مركزياً في تطوير الإنتاج الزراعي، المجتمعات العربية لا تنقصها المساحات الواسعة للاستفادة منها في تأمين حاجات هذه المجتمعات من الغذاء، وفي معظم البلدان العربية تبدو المساحات متوافرة ومعها المياه الضرورية للري، وبالإمكان التدخل في تغيير الأراضي الصحراوية وجعلها قابلة للزراعة من خلال تأمين المياه الصالحة لذلك، وهو ما بات متوفراً من خلال ما تقدمه الثورة العملية والتكنولوجية من إمكانات في استخدام مياه البحر في هذا المجال.
معضلة فجوة الغذاء تطرح أسئلة، حول الموارد العربية والميادين التي يجري فيها استخدامها والأسباب التي تمنع السياسات العربية من التوجه إلى توظيف الأموال في القطاع الزراعي.. ومبلغ "27" مليار دولار لا يساوى سوى جزءاً قليلاً جداً من الموارد العربية في البنوك المحلية والأوروبية خلال الأزمة المالية العالمية في السنتين الأخيرتين، وقد خسرت الرساميل العربية في عمليات انهيار البورصات حيث وصلت هذه الأرقام إلى حدود "2500" مليار دولار، ولو تم استخدام أقل من ربعها لأمكن إنقاذ المجتمعات العربية من أزمتها وبالتالي تأمين نهوض اقتصادي يمكن بواسطته الحد من الفقر والأمية بشكل شبه كامل، وبما يجعل مبلغ الفجوة لعام 2010م زهيداً، بما تتوفر من أموال وثروات عربية.
إن أخطر ما تثيره أرقام الفجوة الغذائية يتصل بالنتائج الاجتماعية والسياسية الناجمة عنها، وما ترتبه من آثار على صعيد تطور المجتمع. وأول النتائج تشير إلى حجم الفقراء والجياع الذي يزداد من آثار على صعيد تطور المجتمع وأول النتائج تشير إلى حجم الفقراء والجياع الذي يزداد بقفزات متوالية كل عام، وهو أمر تدل عليه التقارير التي تنشر عن ملايين الجياع الذين يزدادون باستمرار، وحال البؤس الذي يلف حوالي 70% من مجمل الشعوب العربية، ومعها سوء التغذية الواسع النطاق.يضاف إلى ذلك أن إهمال الأرياف قد أدى إلى انعدام الاستقرار الاجتماعي وإلى تحول ديموغرافي، حيث ينزح مئات الآلاف كل عام من الريف إلى المدن، وهي عملية ساهمت إلى حد كبير في تحويل المدن إلى ريفية، وخلق مدن من الفقراء والمشردين ونجم عن إهمال القطاع الزراعي أيضاً تراجع في النمو العام والتنمية البشرية بما يعنيه ذلك من أثر سلبي على التطور الاقتصادي والاجتماعي في البلاد العربية.
والنتائج السياسية لفجوة الغذاء تبدو بأنها الأخطر، فوجود جيوش من الجياع والفقراء مصدر الانفجارات الاجتماعية وانعدام في الاستقرار الأمني من جوانب متعددة، واقع الفقر والجوع والفوضى في العالم العربي يعد من أكبر العوامل المغذية للإرهاب والتمرد وانبعاث العصبيات المتنوعة ونهوض مرعب للحركات الأصولية المتطرفة والتي ترى في العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، تجاهل معضلة الفقر والجوع هو أفضل الوسائل لتغذية الحركات المتطرفة بجيش بشري مستعد لتنفيذ أي عمل إرهابي يطلب إليه القيام به.
مصادر تهديد الأمن القومي العربي لا تقتصر على الأطماع الخارجية واحتمالات غزوه وإحتلاله عسكرياً، وإنما تتسع لتشمل مصادر أخرى غير عسكرية تتعدد أوجهها وأبعادها، وهذه الأبعاد أربعة: الأمن الغذائي، الأمن المائي، الأمن البيئي، الأمن الاجتماعي، هذه الأبعاد الأربعة كفيلة بتعويض أية دولة أو نظام سياسي واجتماعي مهما بلغت قوته العسكرية.
الوطن العربي يواجه إنكشافاً غذائياً خطيراً بسبب عدم قدرته على تحقيق الاكتفاء الغذائي في السلع الأساسية، إذا أنه يعاني عجزاً غذائياً أخذ يتزايد في السنوات الأخيرة على نحو خطير بسبب الزيادة السكانية وعوامل التصحر وشح المياه وتدهور الإنتاجية الزراعية في عدد من البلدان العربية، مما يعرضه للرضوخ للضغوط الخارجية، ويهدد استقراره الاجتماعي.
لذا يتعين الشروع فوراً في وضع المخططات اللازمة لسد الفجوة الغذائية من خلال زيارة الاستثمارات وتحقيق التكامل في السياسات الزراعية، التسارع الديموغرافي في العالم العربي يقابله عدم قدرة البلدان العربية على تحقيق تنمية اقتصادية موازية لذلك التسارع سواء في إيجاد فرص عمل أو مواكبة التعليم ومواجهة معدلات محو الأمية، ثم عدم تأمين الغذاء للأجيال القادمة..
هامش:
1. الاتحاد العدد "12951" 20/12/2010
2. السياسية العدد "21140" 16/1/2011
3. الحياة العدد "17451" 14/1/2011
4. الاتحاد الاقتصادي 22/12/2010
د.علي الفقيه
فجوة الغذاء العربية 2022