إنه القدوة, صلى الله عليه وسلم في الأخلاق التي افتقدناها في زمننا هذا، افتقدناها في منازلنا "وخيركم خيركم لأهله"، فترى الواحد منا مع أصحابه من أحسن الناس خلقاً فإذا دخل بيته عبس وتولى، وأزبد وأرعد.. افتقدناها في شوارعنا و" حق الطريق كف الأذى وغض البصر وإلقاء السلام" وقد أصبحت الشوارع أماكن للأذى البصري والسمعي والجسدي.. وبالمناسبة أخبرتني جارتي أن الشباب يعاكسون هذه الأيام بالأغاني الوطنية، فيمر الشاب من جوار الفتاة ويغني لها "اليمن أحبها".
نعود للأخلاق التي افتقدناها في مساجدنا وقد أصبحت منابر للأحزاب ولتأجيج الفتن.. نفتقد الأخلاق في مدارسنا بعد أن كاد المعلم أن يكون جهولا, والتلميذ قد يعتدي على معلمه ولا يعيره أدنى احترام نفتقد الأخلاق في تجارتنا " ورحم الله عبداً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى".. نفتقد الأخلاق في معاملاتنا وكل واحد " نفسه براس نخرته" " وليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا".
افتقدناها في الزواج والطلاق والشرع يأمر" بإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"..افتقدنا الأخلاق في حواراتنا" ورحم الله الإمام الشافعي القائل" والله ما جادلت أحداً إلا دعوت الله أن يظهر الحق على لسانه دوني".. افتقدنا الأخلاق في المتدينين والمثقفين والسياسيين وحتى الروح الرياضية عند أهلها حل محلها روح عدائية كادت تعصف بعلاقة بلدين عربيين وتدخلهما في حرب طاحنة، وما حوادث شغب الملاعب بقليل.. افتقدناها, افتقدناها،ويا ليت محمد المحمدي ينادي عليها في برنامجه علها تعود.
إنه القدوة:
ولنا في خير خلق الله محمد بن عبدالله أسوة حسنة، فقد كان ومازال سيد الأخلاق على مر العصور، كان حسن الخلق في عبادته وتعامله وسياسته، وفي سلمه وحربه وفي نصحه وأمره ونهيه ولم يخرج أبداً عن دائرة الأخلاق مهما كانت الظروف والأزمات والأهداف والغايات،
فإذا أنكر فعل احد قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا.. وإذا نهى عن منكر قال: أتحبه لأهلك..
وإذا أمر بمعروف قال : هلا فعلتم كذا وكذا. في السلم بنى المساجد وآخى بين المهاجرين والأنصار, وعلم الناس الحلال والحرام وفي الحرب "ولا تظهر الأخلاق إلا في الأزمات", أما والأمور هادئة فكلنا أخلاق.. كان بأبي هو وأمي قبل المعركة يوصي الجيش: ألا تقطوا شجرة ولا تروعوا طفلاً أو امرأة ولا تقلقوا عابداً في صومعة.. بل إنه أوقف مسير الجيش من أجل طائر، وعندما طلب منه الدعاء على المشركين قال: (إنّي لم أبعث لعّاناً، وإنّما بعثت رحمة)، وكان شديد الحرص على هدايتهم حتى كاد قلبه يتفطر، حتى نزل عليه القرآن يأمره بتخفيف حرصه على هدايتهم والرحمة بهم التي تجاوزت الممكن لكي لا ينفطر قلبه فيموت، فقال القرآن له ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات".
وفي وسط المعركة قال سعد بن عبادة رضي الله عنه والجيش في طريقه لفتح مكة: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ، الْيَوْمَ أَعَزّ اللّهُ فِيهِ قُرَيْشًا" ولما فتح مكة دخلها متواضعاً، وقال لمن آذاه وطرده وقتل أصحابه, "اذهبوا فأنتم الطلقاء" دون أن يعاتبهم بكلمة واحدة.
الأخلاق الإعلامية:
وفي قصة الهدد عبرة لكل إعلامي لا يراعي أخلاق المهنة, وذلك عندما جاء الهدد إلى سليمان عليه السلام نقل الخبر كما رآه ولم يصنعه قائلاً"إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم, وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله".
وبعد أن نقل الخبر, علق عليه وأبدى رأيه فيما رأى قائلاً " فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون، ألا يسجدون لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما يخفون وما يعلنون"..
وهكذا ينبغي لكل إعلامي أن ينقل الخبر بحيادية تامة، ثم إن شاء فليقل رأيه في الحدث بكل حرية وليتذكروا قوله تعالى" ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"..
أحلام القبيلي
يا لاقي الضايعة 2537