بقلم: سودرسان رغافان* ترجمة "أخبار اليوم"
تعز- اليمن، الجميع في هذه المدينة المضطربة يعرفون العميد عبد الله عبده قيران.. سياسيون ورجال أعمال محليون يلهثون وروائه.. وهناك مسئولون عسكريون أعلى منه يتحدثون إليه بإذعان. وفي الاحتجاجات، تجد الأطفال يرددون هتافات تشجب جرائمه.
قيران ليس محافظاً ولا زعيماً لقبيلة قوية في تعز، فهو بالنسبة للنظام يمثل شيئاً أكثر أهمية من ذلك: فاعتباره مدير أمن محافظة تعز، فهو يصون سلطة الرئيس المحاصر علي عبد الله صالح.
تقول بشرى المقطري، الناشطة البارزة: "السلطة الحقيقية في تعز هي قيران. إنه عصا الحكومة في تعز وهو أحد أسوأ أدوات صالح في الحرب".
في نوفمبر، وقع صالح على اتفاقية لنقل السلطة رسمياً إلى نائبه. ومع ذلك، تجد في مختلف مناطق هذا البلد الشرق أوسطي الفقير، حيث يسعى فرع للقاعدة لإيجاد ملاذ آمن له، آلاف من الموليين لصالح ما تزال جذورهم ضاربة في مناصب رئيسية في الحكومة والجيش والأمن. وحتى في حال أوفى صالح بوعده في ترك السلطة، فإن معارضيه يتخوفون من أنه قد يستعيد قبضته على اليمن من خلال رجال أقوياء مثل قيران، عبر إيجاد نظام ظل.
"ليس هناك من شك في أنهم يخدمون مصالح صالح"، بحسب قول المقدم عبد السلام الجابري، أحد أعضاء اللجنة العسكرية المشكلة من قبل حكومة الوفاق الجديدة لتهدئة الأوضاع في تعز.
تتألف الحكومة الانتقالية من أعضاء من الحزب الحاكم والمعارضة، وهناك تسابق محموم على السلطة والمناصب يجري في الوزارات والمحافظات والمجالس المحلية.
في بعض المناطق، هناك صراع للإطاحة بمسئولين عسكريين وأمنيين موالين لصالح، الذي صار له في الحكم 33 سنة. ولقد بات إزالة قيران عن هذه المدينة، التي تعتبر مركز انطلاق الثورة، نقطة محورية لتلك المساعي.
يوم الثامن من يناير، حاولت قيادات محلية في تعز عزل قيران من منصبه، ملقين جزءاً من المسئولية عليه في مقتل عدة مئات من المتظاهرين على أيدي قواته. غير أن مسؤولاً رفيع المستوى في وزارة الداخلية اليمنية رفض هذا الإجراء وقال إن قيران لا يزال مديراً لأمن تعز، الأمر الذي يـُبرز مدى شدة التوتر بين حلفاء صالح وخصومه. وقال المسئول إن المجلس المحلي لتعز ليس لديه السلطة لعزل قيران.
إذا ظل حلفاء صالح مثل قيران في مناصبهم على مستوى المحافظة والمستوى المحلي، فإن أي حكومة جديدة لن تكون إلا امتداداً لحكم صالح الطويل. وهذا قد يقود إلى مزيد من التوترات وأعمال القمع ضد الناشطين المطالبين بمقاضاة صالح وأبنائه وأبناء أخيه على ذمة الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، كما أن ذلك سيعيق أيضاً قدرة رئيس اليمن القادم (هذا في حال جرت الانتخابات خلال الشهر القادم بحسب ما هو مقرر لها) في إدارة شؤون البلد عبر عملية انتقالية يأمل كثيرون بأنها ستمهد الطريق لبداية تغيير جوهري في اليمن.
‘هذا الرجل مجرم‘
يأتي البحث في عزل قيران في الوقت الذي يلوح صالح وبشدة بأنه يعتزم لعب دور مؤثر في مستقبل اليمن، حتى وإن غادر منصبه. فعلى الرغم من أن صالح قد سلم بعض صلاحياته لنائبه عبد ربه منصور هادي، إلا أنه ما يزال محتفظاً بقدر كبير من السلطة، كما أن أولاده وأولاد أخيه لا يزالوا يسيطرون على قوات الأمن.
وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قالت يوم الثلاثاء إن الولايات المتحدة تأسف بأن صالح لم يفِ بتعهده مغادرة البلاد والسماح بإجراء انتخابات لاختيار خليفته. وكان صالح قد تراجع مؤخراً عن قراره بالسفر إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج، وذلك من أجل التعامل مع ما أسماه مسئولون في الحزب الحاكم مكيدة المعارضة للإطاحة ببعض المواليين له من مناصب قيادية. وبحسب قول نائب وزير الإعلام، عبد الجندي، فإن صالح يخطط أيضاً "لقيادة" حملة هادي في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الشهر القادم.
مجلس الوزراء صادق هذا الشهر على قانون يمنح صالح وأفراد عائلته مع جميع من عملوا تحت قيادته في القطاع المدني والعسكري والأمني حصانة من المقاضاة لأي جرائم ارتكبت خلال فترة حكمه. خرجت هذه المصادقة على الرغم من الاحتجاجات اليومية في جميع أنحاء البلاد المطالبة بمحاكمة صالح على ذمة مقتل مئات من المتظاهرين منذ انطلاق الثورة في أواخر يناير 2011.
فإذا صادق البرلمان اليمني على القانون، فإن قيران نفسه قد ينال الحصانة، وهذا الحدث من شأنه في الغالب أن يثير التوترات في تعز. يزعم ناشطون وشيوخ قبائل ينحازون إلى صف المعارضة بأن قيران قد وجه قواته بقصف المدينة وقام بنشر القناصة لقتل أو جرح مئات من المتظاهرين في محاولة لإجهاض الثورة.
سلطان السامعي ـ أحد المشائخ الذين يتولى رجالهم حماية المتظاهرين ويقاتلون الحكومة ـ يقول: "هذا الرجل مجرم وقاتل النساء والأطفال. لا تمر أيام قليلة إلا ويقتل بدم بارد وبهدوء".
في مقابلة شاملة أجريت معه الشهر الماضي، أنكر قيران مثل هذه المزاعم. كما دحض تقارير صادرة عن هيومان رايتس واتش ومنظمات حقوقية أخرى توثق عمليات قتل المتظاهرين السلميين على يد أفراد وحداته. بل أنه حمل المعارضة مسؤولية حمام الدماء، وعلى وجه الخصوص العناصر المتطرفة في حزب الإصلاح، الحزب الإسلامي ذو النفوذ في البلد.
"إنهم يحاولون دفع المجتمع الدولي ضد الدولة، ويستخدمون العنف لتحقيق ذلك"، هكذا قال قيران، مضيفاً "إنهم يريدون الاستيلاء على السلطة بالكامل".
جذور النخب
ولد قيران، 47 عاماً، نحيل الجسم ذو شعر يغزوه الشيب وشارب مشذب، في أسرة ثرية والتحق بكلية الشرطة في العاصمة اليمنية صنعاء عام 1983، وسرعان ما اعتلى في الرتب وتلقى التدريب في كل من السعودية ومصر وبريطانيا. وعلى مدى عقد من الزمن، ظل يعمل في الأكاديمية كأستاذ محاضر، بحسب ما قاله قيران عن نفسه.
في عام 1999، تم تعيينه مديراً لأمن المنطقة الحرة بمحافظة عدن الجنوبية. ويقول إنه بعد عام التقى صالح لأول مرة وترك انطباعاً قوياً في ذهنه. وفي العام 2004، تم تعيينه مديراً لأمن محافظة عدن بالكامل. وهنالك تمكن من خلق صيت له في تضييق الخناق على الانفصاليين الجنوبيين الذين كانوا يعارضون نظام صالح.
حتى هذه المزاعم أنكرها قيران، وقال إنه رفع دعاوى قضائية ضد عدد من صحف المعارضة التي أظهرته بصورة القاتل. ويقول قيران: "إنني أؤمن بالنظام والقانون."
في العام الماضي، عندما ازدادت الثورة قوةً، تم نقل قيران إلى محافظة تعز بغرض قمع الثورة. ولم تمضِ فترة طويلة حتى تصاعدت أعمال العنف، مما حول الكثير من أجزاء المدينة إلى ساحات حرب. وهناك اعتقاد واسع بأنه كان يتلقى الأوامر مباشرةً من صالح وأبنائه وأبناء أخيه.
مع ذلك فإن أنصار قيران يصفونه بالشخص الذي يعمل من أجل البلاد، وليس من أجل صالح. ويقولون إنه فقط يتبع الأوامر وهو ضحية الثورة.
يقول محمد الدرام، مهندس زار قيران في مكتبه الشهر الماضي: "هو رجل منفتح. وهو موالي للنظام. الأزمة السياسية شوهت سمعته."
* من موقع صحيفة واشنطن بوست
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية
في مدينة يمنية مضطربة، هناك رجل قوي يحكم 3599