للحزب الاشتراكي تاريخ يعتز به كل يمني،داخل الحزب وخارجه، لكن يبدو أن الثنائية المتناقضة في وظيفة الحزب، الملازمة له من تاريخ إعلان كيانه، والمتمثلة في دور المعارضة في الشمال والحكم في الجنوب، أدت إلى بروز معيار ازدواجي مختل في العمل الحزبي.
وخلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وبفعل الإزدواجية ذاتها تراكمت خبرات انتهازية تحولت إلى وعي حزبي قائم على قطيعة معرفية لدى غالبية المناضلين من اشتراكيي الشمال.
وأخصهم بالتحديد لأنهم احتكروا صفة المناضلين باعتبارهم كانوا معارضين لنظام الحكم في صنعاء قبل إعلان الوحدة.
ومنذ حرب 94، والمناضلون المخصوصون بالذكر يهيمون على وجوههم في متاهة اغتراب سياسي بعيداً عن الإطار التنظيمي للحزب، يبحثون عن مشروع نضالي جديد، فيما بقى الحزبيون الحقيقيون متمسكين بحزبهم ومدافعين عن أهدافه رغم مرارة الظروف.
ثورة الشباب السلمية أعادت المناضلين إلى سطح المشهد السياسي بعد سبعة عشر عاماً من التيهان والشتات.
ومع انتظام وجود هم في الساحات برز على سطح المشهد الثوري معيار الازدواجية بجدية عالية، منبئاً عن وجود قوى شبه فاعلة في جسم الثورة اعتادت دائماً على إنتاج الازدواجية والتناقض في معايير عملها وفي مواقفها السياسية.
إنهم فئة المناضلين ومن أهم سماتهم أنهم لا ينشطون إلا في بيئة منقسمة ولا تنمو مصالحهم إلا في ظل صراع سياسي مغلف بأيدلوجية تبرر لهم إذكاء نيران الصراع.
لم يجد رفاقنا المناضلون من يستثمر خبراتهم ويوظف قدراتهم ويستغل حاجياتهم المختلفة في الساحات سوى الحركة الحوثية، حيث ودد كلا الفريقين في الآخر مبتغاه، فكلاهما يجتر ماضيه ويستميت في التشبث به والدفاع عنه وكلاهما يبدي عجزاً حقيقياً عن مواكبة مطالب التغيير ويفتقر تماماً لشروط التحول السياسي الذي تفترضه مبررات الثورة بإبعادها السياسية المستقبلية.
منذ بدء الاعتصام وأجهزة أمن الأسرة الحاكمة تبحث عن منفذ تمرر عبره أجندتها الأمنية إلى الساحات فلم تجد سوى قنوات الحركة الحوثية بصفتها الثورية، ولم تجد حركة الحوثيين هي الأخرى ما يمكنها من استدراج الشباب والتلاعب بوعيهم الطامح للتغيير إلا جماعات المناضلين بصفتهم الحزبية.
لقد كان الأجدر بالمناضلين أن يعملوا في إطار كيانهم الحزبي، إن كان ولا بد من هوية حزبية في الساحات، وإذا كانت لديهم مآخذ على تحالفات حزبهم وتوجه قيادته فليثيرونها في هيئاتهم التنظيمية بدافع الحرص على نجاح الثورة والتزاماً بالخط العام للحزب.
لكنهم استثمروا فقط انتماءهم للحزب وأخذوا يعقدون صفقات مقاولات سياسية من الباطن ينفذون من خلالها مشاريع متناقضة مع أهداف الحزب ومخالفة لتوجهه العام، وأهمها التحريض ضد أحزاب المشترك ومحاولة الإسهام في تمزيق نسيج البيئة السياسية للثورة الشعبية في الساحات.
وكلما حاول أحدنا فتح منفذ للحوار معهم سارعوا إلى سده بإصرار عجيب.
على المستوى الشخصي حاولت أكثر من مرة مناقشة بعضهم ولفت انتباههم إلى مغبة ما يفعلون، لكني لم أر فيهم للأسف الشديد سوى رغبات مهوسة بالصراع وميول كلي نحو مشاريع الثأر والانتقام من خصوم وهميين لا يوجد ما يبرر الخصومة معهم.
على سبيل المثال سألت أحد منظريهم في جلسة مقيل الأسبوع الماضي ـ وهو عضو قيادي في الحزب ـ عن أسباب تناقض مواقفهم بين انتماء للثورة والعمل ضد مكوناتها السياسية ؟ فأجابني
بلغة نضالية تنتمي إلى خطابات الثورة البلشفية مطلع القرن الماضي، وأتذكر منها قوله إن القوى التقليدية المتخلفة تريد الاستحواذ على الثورة وسرقة ثمارها، والقوى التقليدية ـ بحسب صديقي المناضل ـ هي القبائل والعسكر وأحزاب المشترك.
ذكرته أن الحزب الاشتراكي ضمن تحالف أحزاب المشترك، وأن مهندس اللقاء المشترك هو الأمين العام المساعد للحزب الأستاذ/ جار الله عمر، كما أخبرته أن المجتمع اليمني حالياً يكن تقديراً منقطع النضير للدكتور/ ياسين نعمان ورفاقه في قيادة الحزب بسبب تأييدهم للثورة والتزامهم بأهداف المشترك، بعد هذا كله فوجئت بالمناضل يتهم قيادة حزبه بالتواطؤ مع حزب الإصلاح على حد قوله،بل وأكد لي أن جماعات أشباه المناضلين من فئته في الساحة سيقفون للإصلاح بالمرصاد باعتباره حزباً دينياً، ليس وحدهم طبعاً ولكن بالتحالف مع حركة الحوثيين التي تمثل الحارس الإيراني لمكاسب الثورة والديمقراطية في اليمن.
اقترحت على المناضل أن نتفق جميعا على معايير عمل سياسية محددة، تساعدنا على تأسيس تجربة سياسية خالية من العنف والاحتكار بعيداً عن المسميات، تجربة تتسع لكل مشروع سياسي شريطة أن لا يتخذ طابعاً أيدلوجياً أو دينياً أو مذهبياً ولا نقبل أي حزب يستخدم السلاح في تكريس مشروعه..
لم يكن من المناضل إلا أن حدق في وجهي بنظرات مريبة ثم قال لي أنت إما أنك مخدوع بهم أو أنك تشتغل معهم.
المحزن في الأمر أن جماعة المناضلين لا يقتنعون ولا يتدبرون فيما يقوله الآخرون كما هي عاداتهم،كما أنهم يعملون في الساحات بنظام جماعات يشبه نظام جماعات الدعوة.
إنهم مناضلون من نوع خاص يسيئون للنضال ورواده الحقيقيين، مثلما يسيئون لأنفسهم وحزبهم،ومن خلال خطابهم يمكن التعرف عليهم بسهولة في الساحات.
فإذا حضرت أي جلسة مقيل ووجدت أشخاصاً يتحدثون عن ضرورة فرز القوى الثورية أو يتحدثون عن سرقة الثورة وكأنها دجاجة فاعلم أنك بين جماعة المناضلين،
وإذا انتقلت إلى مقيل آخر داخل الساحة أو خارجها ووجدت شخصاً ينفث دخان سيجارته في وجوه الآخرين وهو يشتم القبيلة ويسب العسكر ويلعن الأحزاب، فاعلم أنك أمام واحد من جهابذة المناضلين.
المهم في أمرهم و المستجد في نشاطهم أنهم يروجون لفكرة تغيير اسم الحزب الاشتراكي وشعاره بما يتناسب مع مهامهم الجديدة وبما يرضي المرجعيات الإيرانية الممولة لنشاطاتهم الثورية.
وقد اقترح عليهم أحد أعضاء الحزب الاشتراكي من الشباب الثائر الأسبوع الماضي، أن يتركوا الحزب الاشتراكي وشأنه، ونصحهم أن يؤسسوا لهم حزباً جديداً يطلقون عليه "حزب المناضلين الثوريين لمحاربة أنصار السنة والسلفيين"
وبكل تأكيد سيكون شعار الحزب الموت لأميركا وإسرائيل ومن والأهم من غير المتشيعين.
المشكلة أن المناضلين عازمون على إقحام البلد في صراع لا ناقة لنا فيه ولا جمل بين السنة والشيعة، مع العلم أنه لا توجد فرقة شيعية في اليمن، لكنهم قد يلعبون دور الشيعة،حتى ظهورها مستقبلاً بهدف استمرار تدفق التمويل الإيراني إلى قيادتهم في صعدة، خصوصاً وأن المرحلة القادمة مرحلة صراع إقليمي يحتمل أن تكون اليمن ساحته.
وفي سياق هذه البوادر الغريبة لا نستغرب أن يطل علينا خلال الأيام القادمة أكاديمي متخصص بالفلسفة عبر شاشات التلفزة في ذكرى يوم عاشوراء يبشرنا بقرب ظهور الأمام الغائب ـ عجل الله فرجه ـ ولا نستبعد أيضاً أن يظهر علينا شاعر حداثي أو فنان تشكيلي مستقبلاً في فضائيات متشيعة يقنعونا بجلد ظهورنا حتى تدمى، عقاباً على التفريط بدم الحسين عليه السلام..اللهم لا شماته ولا حسد.
alsfwany29@yahoo.com
فيصل الصفواني
تناقض المناضلين أضحوكة المشهد الثوري 2149