مررنا بحارة أو حافة قريتي قبل أيام خلت، وجدنا إحدى البيارات قد انفجرت وسال ماؤها وفاحت ريحتها.. استاءت قريبتي ولعنت الحكومة والمجلس المحلي وإدارة المجاري وعاقل الحارة.. قلت لها وأنا متعمدة استفزازها إذا طفحت البلاعة في دولة متقدمة مثلاً، سيأتي المجلس البلدي ويأتي المختصون في المجاري ويغلق الطريق ويحذرا لناس من المرور بهذا المكان.. يجتمعون، يحددون أسباب المشكلة، طبعاً ليس لديهم عاقل حارة حتى "يتمعقل" عليهم، فقط المعنيون بالمشكلة يعرفون تاريخ "المواسير" ومتى صنعت ونوعية التربة وتوصيلات المياه، وعدد المستخدمين....إلخ، يشخصون المشكلة بأسرع وقت وبتأن دقيق.
تبدأ مرحلة معالجة المجاري المتفجرة واستبدال المواد وإصلاحها ومدى صلاحية الجديد، وما هو المتوقع، كل ذلك مع إحاطة الأهالي المستفيدين من المجاري بالمشكلة ودورهم وما هو المطلوب منهم والمتوقع.. عكس بلادنا إذا طلبت اجتماعاً للأهالي، كل صاح وادهف "سجل اسمي في الكشف"، لأنه سيتوقع أن مؤسسة الصالح ستوزع كسوة العيد.
المرحلة الثانية هي تنظيف الشوارع التي طالتها قاذورات المجاري وتبديد الرائحة، حيث سيعمل فريق متخصص في ذلك، بمواد مطهرة ومنظفة من النوعية الجيدة.. وقد تستغرق العملية أيام حتى تكون الأرض لامعة ويرضى الله عنهم والعباد.. أما في بلادنا حيث نمشي الآن بأطراف أصابعنا وقد "اعتوجت" الجزمة.. يسرح الماء والقاذورات من شارع لشارع وقد يطال العاصمة كاملة، كلما يفعله الناس هو إظهار سخطهم على الحكومة وعلى أمانة العاصمة وعلى عقال الحارة وعلى الأمم المتحدة.. يمشي الناس والأطفال بالذات وكبار السن فوق هذا القرف السائل، يتعلق بملابسهم، بأجسادهم، بأحذيتهم، بشراباتهم وبسياراتهم و"عربياتهم".. لا أحد يغسل تلك القاذورات التي تنقل برائحتها إلى البيوت.
تأتي مرحلة التوعية للناس عبر التلفاز أو عبر الإذاعة المحلية عن كيفية التعامل مع المجاري وعدم الضغط عليها وكيفية التصرف إذا ما انفجرت المجاري مرة أخرى.. أما في بلاد حمران العيون فكل شيء يمضي بلا اهتمام، بلا تخطيط، بلا مبالاة، لقد تعود الناس والسلطة والمعارضة والمستقلون على هذا الحال السائب لا شيء يعني أحد "أبوها الدنيا"، "أبوها البلد" حتى لو نموت كلنا بالمجاري.
إنها المسؤولية التي تربى عليها الناس في العالم المتقدم.. الشعور الذي ينتابك عندما ترى، تلمس، تعرف بسلوك أو بظاهرة أو بخبر غير طبيعي، غير لائق، غير سوي، ضار، قبيح.. تتحرك داخلك أشياء تجعلك تندفع للقيام بواجبك الوظيفي، الإنساني، المهني، المهم أنك لا تجلس تخزن والمجاري طافحة، أو تأكل والقمامة أمام البيت، أو تنام وجارك يصرخ أو تضحك وآخر يسقط في ماء المجاري.. إنها المسؤولية لا غيرها.
محاسن الحواتي
المسؤولية لا غيرها 2056